والجواب: أنه ليس المراد بما وقع فيهما نفي التعليل وسلب الغاية عن فعله مطلقا كما حسبه الأشاعرة ومن يقتفي أثرهم، بل المراد - كما مرت الإشارة والتصريح عليه - نفي مطلب " لم " في فعله المطلق وفي أفعاله الخاصة بحسب الغاية الأخيرة، لا بحسب الغايات القريبة والمتوسطة ككون الطواحن من الأسنان عريضة لغاية هي جودة المضغ، وهي أيضا لغاية هي جودة الهضم الأول، وهي لجودة الهضم الثاني، وهلم إلى غاية هي تغذية بدن الإنسان على وجه موافق لمزاجه، وهي لغاية هي حصول المزاج الكامل، وهو لغاية هي فيضان الكمال النفسي، وغايته حصول العقل بالملكة، ثم بالفعل، ثم العقل الفعال، وغايته الباري المتعالي، انتهى (الأسفار 6، ص 379).
وقال فيه أيضا: فقد استبان وظهر: أن الحكماء إنما ينفون عن فعل الله - سبحانه - المطلق غرضا وغاية أخيرة غير ذاته، ويقولون: ذاته غرض الأغراض وغاية الغايات ونهاية الطلبات والرغبات والأشواق، لكونه علة العلل وسبب الأسباب ومسببها ومعللها، ولا ينفون الغرض والغاية والعلة الغائية، بل يثبتون أغراضا وغايات وكمالات مترتبة منتهية إليه سبحانه.
بخلاف الأشاعرة فإنهم يسدون باب التعليل مطلقا. وبخلاف المعتزلة أيضا، فإنهم يثبتون في فعله المطلق غرضا غير ذاته. وكلا القولين زيغ عن الصواب. وفيما ذهبت إليه الحكماء يثبت سر التوحيد في الوجود، انتهى (الأسفار 6، ص 367).