تصطفيه وتختاره فتعزم على إتيانه وتهم إليه فتحرك الأعضاء التي تحت سلطانها نحوه وتأتي به. وإن لم يكن موافقا لاشتهائها ولكن العقل يرى أصلحية تحققه والإتيان به يحكم - على رغم النفس - بإتيانه، فتختار النفس وجوده وتعزم عليه وتحرك الأعضاء نحوه، كشرب الدواء النافع وقطع اليد الفاسدة، فإن العقل يحمل النفس على الشرب والقطع مع كمال كراهتها.
فما في كلام القوم (1) - من أن الإرادة هو الاشتياق الأكيد أو أن الاشتياق من مقدماتها - ليس على ما ينبغي، بل وليس التصديق بالفائدة من المقدمات الحتمية، ولا يسع المقام تفصيل ذلك [9].
ثم إن الأوامر الصادرة من الإنسان من جملة أفعاله الاختيارية الصادرة عنه بمباديها. والفرق بين الأوامر والنواهي الامتحانية والإعذارية وبين غيرها ليس في المبادي ولا في معاني الأوامر والنواهي، فإنها بما هي أفعال اختيارية مفتقرة إلى المبادي من التصور إلى تصميم العزم وتحريك عضلة اللسان، والهيئة مستعملة في كليهما استعمالا إيجاديا، أي يكون مستعملا في البعث إلى المتعلق أو الزجر عنه، والفارق بينهما هو الدواعي والغايات. فالداعي للأوامر الغير الامتحانية وما يكون باعثا له وغاية للأمر هو الخاصية المدركة من المتعلقات، كالري في قوله:
" أسقني الماء " فإن الباعث له للأمر به هو الوصول والنيل إلى الري.
والداعي إلى الأوامر والنواهي الامتحانية أو الإعذارية اختبار العبد وامتحانه أو إعذار نفسه.
[9] قال في " الأسفار ": قد يوجد الفعل بدون الشوق المتأكد، كما في الأفعال العادية، من تحريك الأعضاء وفرقعة الأصابع وكثير من الأفعال العبثية والجزافية، وكما