قال سيدنا الأستاذ صالح المتألهين (قدس سره) في تفسير قوله تعالى: * (كما بدأكم تعودون * فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) * (الأعراف: 29) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
" خلقهم حين خلقهم مؤمنا وكافرا وشقيا وسعيدا، وكذلك يعودون يوم القيامة مهتد وضال ".
قال (رحمه الله): وقد وقع هذا المعنى في روايات أخرى واردة في تفسير آيات القدر، وهي روايات جمة مختلفة يشترك جميعها في الدلالة على أن آخر الخلقة يشاكل أولها، وعود الإنسان يناظر بدوه، وأن المهتدي في آخر أمره مهتد من أول أمره، وأن الضال ضال من أول، والشقي شقي في بدو، والسعيد سعيد فيه.
والروايات على اختلاف بياناتها كالآيات ليست في مقام إثبات السعادة والشقاوة الذاتيتين بمعنى ما يقتضيه ذات الإنسان ويلزم ماهيته كالزوجية للأربعة، فإن ذلك مما لا ينبغي توهمه.
إلى أن قال: على أن ذلك يوجب اختلاف نظام العقل في جميع ما يبني عليه العقلاء في أمورهم واتفاقهم على توقع التأثير في باب التعليم والتربية وتسالمهم على وجود ما يستتبع المدح والذم أو يتصف بالحسن والقبح يدفعه. وكذلك يوجب لغوية تشريع الشرائع وإنزال الكتب وإرسال الرسل. ولا معنى لإتمام الحجة في الذاتيات بأي معنى صورناها بعدما كانت مستحيلة الانفكاك عن الذوات.
والكتاب الكريم يسلم نظام العقل ويصدق بناء الإنسان بنيان أعماله في الحياة على الاختيار. وأساس هذا البيان على قضيتين: إحداهما أن بين الفعل الاختياري وغيره فرقا، وهي قضية عقلية ضرورية. والثانية: أن الأفعال الاختيارية تتصف بحسن وقبح وتستتبع مدحا وذما وثوابا وعقابا، وهي قضية عقلائية لا يسع لعاقل أن ينكرها، وهو واقع تحت النظام الاجتماعي الحاكم على مدى حياته.
وبالجملة: لا مجال للقول بالسعادة والشقاوة الذاتيتين بالمعنى المتقدم أبدا، فما