وإنما هي تتحقق في المرتبة المآلية منه، وهي تعيناته.
فالمشية لاندكاكها في الذات الأحدية واستهلاكها في الذات السرمدية لم يكن لها حكم حتى يقال في حقها: إنها صادرة أو غير صادرة.
وأما العرفاء الشامخون والأولياء المهاجرون لما كان نظرهم إلى الوحدة وعدم شهود الكثرة لم ينظروا إلى تعينات العوالم، ملكها وملكوتها ناسوتها أو جبروتها، ويروا أن تعينات الوجود المطلق المعبر عنها بالماهيات والعوالم - أية عوالم كانت - اعتبار وخيال، ولذا قيل: العالم عند الأحرار خيال في خيال.
وقال الشيخ الكبير محيي الدين: العالم غيب ما ظهر قط، والحق ظاهر ما غاب قط، فما كان في دار التحقق والوجود ومحفل الغيب والشهود إلا الحق ظاهرا وباطنا أولا وآخرا، وما وراءه من تلبيسات الوهم واختراعات الخيال.
مطلع: بل نرجع ونقول: إن كلام المحقق القونوي أيضا ليس عند العرفاء الكاملين بشئ، بل ما توهم أنه من كلمات الأولياء الشامخين عندهم فاسد وفي سوق أهل المعرفة كاسد، فإن الصدور لا بد له من مصدر وصادر ويتقوم بالغيرية والسوائية، وهي مخالفة لطريقة أصحاب العرفان، وغير مناسبة لذوق أرباب الإيقان، ولذا تراهم يعبرون عن ذلك حيث يعبرون بالظهور والتجلي أمن وراء الحق شئ حتى ينسب الصدور إليه؟! بل هو الأول والآخر والظاهر والباطن.
قال مولانا أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) في دعاء عرفة: " ألغيرك من الظهور ما ليس لك؟ " صدق ولي الله - روحي له الفداء - فالعالم بجهته السوائية ما ظهر قط، والكلي الطبيعي غير موجود في نظر أهل الحق، انتهى ما أردنا نقله.