حديث الطلب والإرادة - محمد المحمدي الجيلاني - الصفحة ١٣٨
أقول: امتناع ذاتية السعادة والشقاوة بالمعنى المذكور بعد هذا التبيان صار واضحا كالنار على المنار، بل كالشمس في رائعة النهار، إلا أن لإمكانها بالمعنى الدارج في لسان العرفان وأرباب الشهود مجالا واسعا لا يخفى على من راجع إلى كتبهم، فضلا عمن زاول فنهم، ولا سيما كتب الشيخ محيي الدين بن عربي، خصوصا كتابه الموسوم ب‍ " فصوص الحكم " فإنه أفصح عن ذاتية السعادة والشقاوة بالمعنى الدارج في مرامهم، وإني الخص مقصدهم في الباب على وجه الإيجاز:
فأقول: قالوا إن للأسماء الإلهية صورا معقولة في علمه تعالى، لأنه عالم بذاته لذاته وأسمائه وصفاته، وتلك الصور العلمية من حيث إنهما عين الذات المتجلية بتعين خاص ونسبة معينة هي المسماة بالأعيان الثابتة، سواء كانت كلية أو جزئية في اصطلاح أهل الله.
وتسمى كلياتها بالماهيات والحقائق وجزئياتها بالهويات عند أهل النظر.
فالماهيات هي الصور الكلية الأسمائية المتعينة في الحضرة العلمية تعينا أوليا.
وتلك الصور فائضة عن الذات الإلهية بالفيض الأقدس والتجلي الأول بواسطة الحب الذاتي وطلب مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا هو ظهورها وكمالها، فإن الفيض الإلهي ينقسم بالفيض الأقدس والفيض المقدس. وبالأول تحصل الأعيان الثابتة واستعداداتها الأصلية في العلم. وبالثاني تحصل تلك الأعيان في الخارج مع لوازمها وتوابعها.
فالأعيان من حيث إنها صور علمية لا توصف بأنها مجعولة، لأنها حينئذ معدومة في الخارج، فالجعل إنما يتعلق بها بالنسبة إلى الخارج، وليس جعلها إلا إيجادها في الخارج. والأعيان من حيث إنها أرواح للحقائق الخارجية ولها جهة المربوبية والربوبية تقبل الفيض بالأولى وترب صورها الخارجية بالثانية.
فالأسماء مفاتيح الغيب والشهادة مطلقا، والأعيان الممكنة مفاتيح الشهادة.
قال الإمام الراحل (قدس سره) في " المصباح ": هذه الحضرة - حضرة الأعيان الثابتة - هي حضرة القضاء الإلهي والقدر الربوبي، وفيها يختص كل صاحب مقام بمقامه، ويقدر كل
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 3
2 المقدمة 9
3 في وصف المتكلم 14
4 فساد قول المعتزلة 17
5 شك ودفع: في وحدة إرادة الله وعلمه 21
6 تنبيه عرشي 23
7 فساد قول الأشاعرة 25
8 المطلب الأول ما هو المهم مما استدل به الأشعري على مطلوبه الأمر الأول: ثبوت الطلب نفسي في الأوامر الامتحانية 27
9 الأمر الثاني: حول تكليف الكفار 41
10 إيقاظ 44
11 الفصل الأول: في عنوان المسألة 47
12 الفصل الثاني: في إبطال المذهبين 53
13 الفصل الثالث: في بيان المذهب الحق 65
14 تنبيه: في شرك التفويضي وكفر الجبري 70
15 إرشاد: في استناد الأفعال إلى الله 78
16 تمثيل 82
17 تمثيل أقرب 82
18 تأييدات نقلية 83
19 الآيات 83
20 الروايات 86
21 الفصل الرابع: في ذكر بعض الشبهات الموردة ودفعها 96
22 حول إرادية الإرادة 96
23 تحقيق يندفع به الإشكال 101
24 تنبيه 106
25 حول قاعدة: الشئ ما لم يجب لم يوجد 107
26 حول علم الله تعالى واختيار الإنسان 117
27 المطلب الثاني في بيان حقيقة السعادة والشقاوة الأمر الأول: حول قاعدة " الذاتي لا يعلل " 124
28 الأمر الثاني: في فقر وجود الممكنات وعوارضه ولوازمه 129
29 الأمر الثالث: استناد الكمالات إلى الوجود 132
30 الأمر الرابع: في معنى السعادة والشقاوة 132
31 التحقيق: كون السعادة والشقاوة كسبيتين 134
32 المطلب الثالث في شمة من اختلاف خلق الطينات منشأ اختلاف النفوس 142
33 تنبيه حول مفاد بعض الأحاديث 159
34 خاتمة حول فطرة العشق إلى الكمال والتنفر عن النقص 162