أقول: امتناع ذاتية السعادة والشقاوة بالمعنى المذكور بعد هذا التبيان صار واضحا كالنار على المنار، بل كالشمس في رائعة النهار، إلا أن لإمكانها بالمعنى الدارج في لسان العرفان وأرباب الشهود مجالا واسعا لا يخفى على من راجع إلى كتبهم، فضلا عمن زاول فنهم، ولا سيما كتب الشيخ محيي الدين بن عربي، خصوصا كتابه الموسوم ب " فصوص الحكم " فإنه أفصح عن ذاتية السعادة والشقاوة بالمعنى الدارج في مرامهم، وإني الخص مقصدهم في الباب على وجه الإيجاز:
فأقول: قالوا إن للأسماء الإلهية صورا معقولة في علمه تعالى، لأنه عالم بذاته لذاته وأسمائه وصفاته، وتلك الصور العلمية من حيث إنهما عين الذات المتجلية بتعين خاص ونسبة معينة هي المسماة بالأعيان الثابتة، سواء كانت كلية أو جزئية في اصطلاح أهل الله.
وتسمى كلياتها بالماهيات والحقائق وجزئياتها بالهويات عند أهل النظر.
فالماهيات هي الصور الكلية الأسمائية المتعينة في الحضرة العلمية تعينا أوليا.
وتلك الصور فائضة عن الذات الإلهية بالفيض الأقدس والتجلي الأول بواسطة الحب الذاتي وطلب مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا هو ظهورها وكمالها، فإن الفيض الإلهي ينقسم بالفيض الأقدس والفيض المقدس. وبالأول تحصل الأعيان الثابتة واستعداداتها الأصلية في العلم. وبالثاني تحصل تلك الأعيان في الخارج مع لوازمها وتوابعها.
فالأعيان من حيث إنها صور علمية لا توصف بأنها مجعولة، لأنها حينئذ معدومة في الخارج، فالجعل إنما يتعلق بها بالنسبة إلى الخارج، وليس جعلها إلا إيجادها في الخارج. والأعيان من حيث إنها أرواح للحقائق الخارجية ولها جهة المربوبية والربوبية تقبل الفيض بالأولى وترب صورها الخارجية بالثانية.
فالأسماء مفاتيح الغيب والشهادة مطلقا، والأعيان الممكنة مفاتيح الشهادة.
قال الإمام الراحل (قدس سره) في " المصباح ": هذه الحضرة - حضرة الأعيان الثابتة - هي حضرة القضاء الإلهي والقدر الربوبي، وفيها يختص كل صاحب مقام بمقامه، ويقدر كل