[منشأ اختلاف النفوس] ثم اعلم: أن منشأ اختلاف نفوس الإنسان في الحنين إلى الخيرات والشرور والميل إلى موجبات السعادة والشقاوة أمور كثيرة نذكر مهماتها:
فمنها: اختلافها في نفسها، ومنشأ اختلاف الإفاضة على المواد المستعدة لها، ومنشأ اختلاف المواد - أي النطف التي تستعد لقبول الصورة الإنسانية - أنها تحصل من الأغذية الخارجية بعد عمل القوى فيها أعمالها فتفرز القوة المولدة من فضول الأغذية أجزاء لتوليد المثل، هي في الحيوان النطفة.
ولما كانت الأغذية مختلفة غاية الاختلاف في اللطافة والكثافة والصفاء والكدورة، فلا محالة تختلف النطف الحاصلة منها. فإذا حصلت النطفة من أغذية لطيفة صافية يكون لها استعداد خاص لقبول الصورة غير ما للمواد الكثيفة الكدرة أو المختلطة من اللطيفة والكثيفة.
ولا يخفى: أن للاختلاط والامتزاج أنواعا كثيرة لا يحيط بها إلا الله تعالى، وقد عرفت آنفا أن الإفاضات على المواد إنما تكون على مقدار استعداداتها لا تتعداها ولا يمكن ذلك كما لا يمكن قصور الإفاضة عنها [40].
[40] الروايات الواردة في خلقة الإنسان من الطينات المختلفة كثيرة جدا:
فمنها: ما عن " العلل " عن حبة العرني عن علي (عليه السلام) قال: " إن الله خلق آدم من أديم الأرض، فمنه السباخ ومنه الملح ومنه الطيب فكذلك في ذريته الصالح والطالح ".
ومنها: ما عن " المحاسن " عن عبد الله بن كيسان قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
جعلت فداك أنا مولاك عبد الله بن كيسان.