شر مطلق، وهناك نافع مطلق وضار مطلق.
والخير المختص بالقياس إلى شئ بما هو مختص نسميه سعادة ذلك الشئ، فهو يختص به وينحوه باستعداده الأول المعد له فطرة، لاقتناء الفضائل. ثم إذا طرأ عليه ما أعده لاقتناء الرذائل قصدها بالاستعداد الثاني، ولا تكون هي خيرا وسعادة بالقياس إلى ذاته، بل تكون شرا وشقاوة بالنسبة إليها.
فإدراك هذا الخير ونيله ووجدانه هو السعادة المعبر عنها باللذة المعرفة في كلام رئيس العقلاء (رحمه الله): أن اللذة هي إدراك ونيل لوصول ما هو عند المدرك كمال وخير من حيث هو كذلك. كما عرف الألم بقوله: هو إدراك ونيل لوصول ما هو عند المدرك آفة وشر.
قال المحقق الشارح: إنما لم يقتصر على الإدراك لأن درك الشئ قد يكون بحصول صورة تساويه ونيله لا يكون إلا بحصول ذاته، واللذة لا تتم بحصول ما يساوي اللذيذ، بل إنما تتم بحصول ذاته.
وإنما قال: " ما هو عند المدرك كمال وخير " لأن الشئ قد يكون كمالا وخيرا بالقياس إلى شئ وهو لا يعتقد كماليته وخيريته فلا يلتذ به، وقد لا يكون كذلك وهو يعتقده فيلتذ به، فالمعتبر كماليته وخيريته عند المدرك لا في نفس الأمر.
وكيف كان: فالسعادة والشقاوة من الأمور العرضية المعللة، وليستا ذاتيتين غير معللتين، لعدم كونهما من أجزاء ماهية الإنسان ولا من لوازم ماهيته، بل هما من الأمور الوجودية في حيطة اكتساب العبد باختياره وإرادته، كما أفصح عند الإمام الراحل ببيانه، فإن ذلك مما لا ينبغي إصغاؤه بظاهره، إذ لو رجع إلى صرف التصور من غير التماس مطابقة للواقع الخارجي فهو تلاعب بالحقائق، ولو رجع إلى اقتضاء لذوات نوع الإنسان تملك به سعادتها وشقاوتها بحيث لا يبقى لله سبحانه في خلقه إلا إظهار ما كان دفينا في ذواتها، كان ذلك إبطالا لإطلاق ملك الله سبحانه وتحديدا لسلطانه، والعقل والنقل متعاضدان على خلافه.