حديث الطلب والإرادة - محمد المحمدي الجيلاني - الصفحة ١٣٥
شر مطلق، وهناك نافع مطلق وضار مطلق.
والخير المختص بالقياس إلى شئ بما هو مختص نسميه سعادة ذلك الشئ، فهو يختص به وينحوه باستعداده الأول المعد له فطرة، لاقتناء الفضائل. ثم إذا طرأ عليه ما أعده لاقتناء الرذائل قصدها بالاستعداد الثاني، ولا تكون هي خيرا وسعادة بالقياس إلى ذاته، بل تكون شرا وشقاوة بالنسبة إليها.
فإدراك هذا الخير ونيله ووجدانه هو السعادة المعبر عنها باللذة المعرفة في كلام رئيس العقلاء (رحمه الله): أن اللذة هي إدراك ونيل لوصول ما هو عند المدرك كمال وخير من حيث هو كذلك. كما عرف الألم بقوله: هو إدراك ونيل لوصول ما هو عند المدرك آفة وشر.
قال المحقق الشارح: إنما لم يقتصر على الإدراك لأن درك الشئ قد يكون بحصول صورة تساويه ونيله لا يكون إلا بحصول ذاته، واللذة لا تتم بحصول ما يساوي اللذيذ، بل إنما تتم بحصول ذاته.
وإنما قال: " ما هو عند المدرك كمال وخير " لأن الشئ قد يكون كمالا وخيرا بالقياس إلى شئ وهو لا يعتقد كماليته وخيريته فلا يلتذ به، وقد لا يكون كذلك وهو يعتقده فيلتذ به، فالمعتبر كماليته وخيريته عند المدرك لا في نفس الأمر.
وكيف كان: فالسعادة والشقاوة من الأمور العرضية المعللة، وليستا ذاتيتين غير معللتين، لعدم كونهما من أجزاء ماهية الإنسان ولا من لوازم ماهيته، بل هما من الأمور الوجودية في حيطة اكتساب العبد باختياره وإرادته، كما أفصح عند الإمام الراحل ببيانه، فإن ذلك مما لا ينبغي إصغاؤه بظاهره، إذ لو رجع إلى صرف التصور من غير التماس مطابقة للواقع الخارجي فهو تلاعب بالحقائق، ولو رجع إلى اقتضاء لذوات نوع الإنسان تملك به سعادتها وشقاوتها بحيث لا يبقى لله سبحانه في خلقه إلا إظهار ما كان دفينا في ذواتها، كان ذلك إبطالا لإطلاق ملك الله سبحانه وتحديدا لسلطانه، والعقل والنقل متعاضدان على خلافه.
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 3
2 المقدمة 9
3 في وصف المتكلم 14
4 فساد قول المعتزلة 17
5 شك ودفع: في وحدة إرادة الله وعلمه 21
6 تنبيه عرشي 23
7 فساد قول الأشاعرة 25
8 المطلب الأول ما هو المهم مما استدل به الأشعري على مطلوبه الأمر الأول: ثبوت الطلب نفسي في الأوامر الامتحانية 27
9 الأمر الثاني: حول تكليف الكفار 41
10 إيقاظ 44
11 الفصل الأول: في عنوان المسألة 47
12 الفصل الثاني: في إبطال المذهبين 53
13 الفصل الثالث: في بيان المذهب الحق 65
14 تنبيه: في شرك التفويضي وكفر الجبري 70
15 إرشاد: في استناد الأفعال إلى الله 78
16 تمثيل 82
17 تمثيل أقرب 82
18 تأييدات نقلية 83
19 الآيات 83
20 الروايات 86
21 الفصل الرابع: في ذكر بعض الشبهات الموردة ودفعها 96
22 حول إرادية الإرادة 96
23 تحقيق يندفع به الإشكال 101
24 تنبيه 106
25 حول قاعدة: الشئ ما لم يجب لم يوجد 107
26 حول علم الله تعالى واختيار الإنسان 117
27 المطلب الثاني في بيان حقيقة السعادة والشقاوة الأمر الأول: حول قاعدة " الذاتي لا يعلل " 124
28 الأمر الثاني: في فقر وجود الممكنات وعوارضه ولوازمه 129
29 الأمر الثالث: استناد الكمالات إلى الوجود 132
30 الأمر الرابع: في معنى السعادة والشقاوة 132
31 التحقيق: كون السعادة والشقاوة كسبيتين 134
32 المطلب الثالث في شمة من اختلاف خلق الطينات منشأ اختلاف النفوس 142
33 تنبيه حول مفاد بعض الأحاديث 159
34 خاتمة حول فطرة العشق إلى الكمال والتنفر عن النقص 162