كما أن بتحقق هذا الوجوب لا يمكن عدم تحقق المعلول، للزوم اجتماع النقيضين وسلب الشئ عن نفسه.
وإني - مع حسن الظن بهم، وأنهم في مقام الدفاع عن أصول الدين - لست أبرأهم من القصور والتقصير فيما وقعوا فيه من الضلال والإضلال والعصبية * (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا... * ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون) *.
فترى كثيرا منهم يسارعون إلى القول بالتجسم في الواجب سبحانه وتعالى.
ولابن تيمية وأصحابه ميل عظيم إلى إثبات الجهة له تعالى، ونقل عن بعض تصانيفه أنه قال: لا فرق عند بديهة العقل بين أن يقال: هو معدوم أو يقال: طلبته في جميع الأمكنة فلم أجده، كما في شرح " العقائد العضدية " للدواني، وبحثهم حول رؤية الله تعالى بالأبصار يكفي عن المقال في بنيانهم على شفا جرف هار.
وكيف كان: فالذي يهمنا في المقام هو البحث عن شرح ألفاظ مستعملة في الباب متقاربة المعنى ربما يظن بها أنها مترادفة، وهي القدرة والاختيار والإرادة، مع أنها متباينة، وإن كانت بينها صلة:
فنقول:
1 - القدرة: المتبادر من مفهومها عرفا هو كون الفاعل بحيث يصح منه الفعل والترك، وهذا التعريف هو الذي أخذه المتكلمون في أبحاثهم الكلامية.
وقالت الحكماء: القدرة كون الفاعل في ذاته بحيث إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل.
ويمكن التوفيق بينهما مقصدا ومآلا، كما ستسمع قريبا.
2 - الاختيار: فاعلم أن صحة مبدئية الفاعل للفعل إنما تنصبغ بصبغة القدرة إذا كان لفاعله علم به، بمعنى أن الفعل إنما يتعين له ويتشخص بعلمه أنه كمال وخير له. ولا