فإذ كان ذاته مبدأ الفعل وهو مطلق غير مقيد فلا يكون مقيدا بالفعل لامتناع الترك، ولا مقيدا بالترك لامتناع الفعل، بل مبدأ فعله هو ذاته المطلقة غير المقيدة بالفعل والترك.
وهذه هي القدرة الواجبية، وهي عين الذات المتعالية. فلا يقهره شئ هو فوقه أو في عرضه بإيجاب الفعل عليه، ولا يقهره شئ من أفعاله بإيجاب نفسه أو غيره عليه، لأنه متأخر عن الذات قائم به مفتقر إليه في جميع شؤونه. ولا أنه تعالى يثبت في ذاته وجوب الفعل عند إفاضة الوجوب الغيري على فعله وقهره على أن يوجد، فإنه من أشنع المحالات.
فإن أريد من الصحة في تفسير القدرة هذا المعنى الإطلاقي فنعم المراد، كما صرح بذلك صالح المتألهين سيدنا الأستاذ العلامة الطباطبائي (قدس سره) في " تعليقه على الأسفار ".
وأما تفسيرها على مذهب الحكماء بكون الفاعل بحيث إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل، فقال (قدس سره): فيرجع إلى تفسير فاعلية الفاعل بالإرادة - وهي فينا صفة نفسانية تتبع العلم بمصلحة الفعل الملزمة - والمفروض أن فاعليته تعالى بنفس ذاته - كما تقدم - وأن علمه عين ذاته.
ويتحصل به: أن قدرته كون ذاته مبدأ لكل خير ومصلحة، غير أن المصلحة المترتبة خارجا على الفعل لا تكون غاية لذاته وداعيا دخيلا في فاعليته، بل الدخيل هو علمه الذي عين ذاته، فلا تكون قاهرة عليه تعالى، فهو تعالى قادر مختار على الإطلاق.
وقد استبان: أن القدرة على كلا التعريفين إطلاق الفاعل، وهو عدم تقييده بإيجاب يلحق به من ناحية الفعل أو الترك، انتهى بتلخيص وتغيير ما مني.