الحوادث، وكل ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث.
أما الكبرى فظاهرة، وأما الصغرى فلوجهين: أحدهما أن الأجسام لا تخلو عن الأعراض، والأعراض كلها حادثة، إذ لو كانت قديمة لكانت باقية. ثانيهما: أن الأجسام لا تخلو عن الحركة والسكون، وحدوثهما كالنار على المنار، فالأجسام كلها حادثة. ثم قالوا: كل حادث مفتقر إلى محدث مؤثر في العالم. فالمؤثر فيه إن كان موجبا لزم حدوثه أو قدم العالم.
والتالي بقسميه باطل.
بيان الملازمة: أن المؤثر الموجب يستحيل تخلف أثره عنه، وذلك يستلزم إما قدم العالم وقد فرضناه حادثا، أو حدوث المؤثر ويلزم التسلسل.
فظهر: أن المؤثر للعالم قادر مختار. فزعموا: أن بإثبات القدرة والاختيار في الصانع الواجب تعالى ينتفي القول بالعلة والمعلول، فإن قوامه بقاعدة: " الشئ ما لم يجب لم يوجد " وهي مصادمة لاختيار الفاعل.
أقول: فتبين مما مر أن منع هؤلاء الطائفة من المتكلمين شمول القاعدة للفاعل المختار إنما حداهم إلى ذلك مزعمتهم أن تلك القاعدة تنافي القدرة والاختيار، وتستلزم أن يكون الفاعل موجبا في فعله، ونهاية لزوم قدم العالم.
ورأيت: أن الإمام الراحل - رضوان الله عليه - بينها أتم تبيين على أساس الأوليات، وأنها عامة للممكنات كلها - أي ممكن كان، سواء كان الأثر أثر الجاعل المختار أم لا - ولا يعقل تخصيصها إلا على أهواء أصحاب الجدل والعصبية.
ثم بين عدم تنافيها للقدرة والاختيار بأن الفاعل المختار التام الفاعلية باختياره وإرادته إذا سد جميع أعدام الفعل فقد أوجب الفعل وأوجده، فالوجوب الطارئ على الفعل قد صدر منه، وبالطبع متأخر عن ذاته، فكيف يعقل أن يصير منشأ للاضطرار والإيجاب للفاعل، وهو قوله (قدس سره): والوجوب الجائي من قبل العلة يستحيل أن يؤثر فيها.