منها: تقسيمه إلى فعلي وانفعالي، وما ليس بأحدهما كعلم الذوات العاقلة بأنفسها.
أما العلم الفعلي فكعلم الباري بما عدا ذاته، وكعلم سائر العلل بمعلولاته. وأما العلم الانفعالي فكعلم ما عدا الباري بما ليس من معلولاته مما لا يحصل إلا بانفعال ما للعالم، وبالجملة بارتسام صور تحدث في النفس أو آلاتها، فهذا العلم تابع للمعلوم. هذا أحد الموارد التي يقال: العلم تابع للمعلوم.
المورد الثاني: ما هو مصطلح أهل المعرفة، فقالوا: إن العلم في المرتبة الأحدية عين الذات مطلقا، فالعالم والمعلوم والعلم شئ واحد لا مغايرة فيها وفي المرتبة الواحدية الإلهية، فإن العلم إما صفة حقيقية أو نسبة إضافية، أي ما كان يستدعي معلوما ليتعلق العلم به، والمعلوم الذات الإلهية وأسماؤها وصفاتها والأعيان.
فالعلم الإلهي من حيث مغايرته للذات من وجه تابع لما تعطيه الذات من نفسها ولما تعطيه الأعيان من أحوالها باستعداداتها وقبولها إياها، فهذا العلم الإلهي مما أعطته المعلومات مما هي عليه في نفسها، فهو تابع لما تعطيه الأعيان من مقتضياتها. فهذا هو المورد الثاني من الموارد التي يقال: العلم تابع للمعلوم، ولكن ليس بانفعالي، فتأمل واحتفظ فإنه ينفعك في مبحث السعادة والشقاوة.
والمورد الثالث: ما هو مصطلح أهل الكلام، فإنهم لما قسموا العلم إلى أقسام قالوا:
العلم تابع للمعلوم.
واستشكل عليهم بلزوم الدور، فإن من أقسام العلم العلم الفعلي الذي هو علة وجود المعلوم، فهو متقدم عليه ومتبوع، وقد جعلتموه تابعا ومتأخرا.
فأجابوا بأن المراد بالتبعية أصالة الموازنة في التطابق، بمعنى أن العلم وإن كان سابقا على المعلوم في بعض الموارد كالعلم الفعلي، إلا أن العقل إذا تصورهما رأى أن المعلوم هو الأصل، بحيث لولا كونه في موطنه - ولو بعد حين - لم يتعلق العلم به بحكم التضايف.