الترتيب العلي والمعلولي، ولم يتعلقا بالعلة في عرض المعلول وبالمعلول بلا وسط حتى يقال: إن الفاعل مضطر في فعله. فأول ما خلقه الله تعالى حقيقة بسيطة.. بوحدتها كل كمال وجمال وجف القلم بما هو كائن (1) وتم القضاء الإلهي بوجوده، ومع ذلك لما كان نظام الوجود فانيا في ذاته ذاتا وصفة وفعلا يكون كل يوم هو في شأن.
فحقيقة العقل المجرد والروحانية البسيطة المعبر عنها بنور نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (2) والملك الروحاني (3) صادر عنه تعالى بلا وسط، وهي بما أنها صرف التعلق والربط ببارئه - تعالى شأنه - تعلقا لا يشبه التعلقات المتصورة وربطا لا يماثل الروابط المعقولة يكون ما صدر عنها صدر عنه تعالى بنسبة واحدة، لعدم البينونة العزلية (4) بينه تعالى وبين شئ، لكونه تعالى صرف الوجود من غير ماهية، وهي مناط البينونة العزلية، وسائر الموجودات والعلل المعانقة لها لم تكن بهذه المثابة، فالحقيقة العقلية ظهور مشيته وإرادته، كما أن الطبيعة يد الله المبسوطة " خمرت طينة آدم بيدي أربعين صباحا " (5). فمن عرف كيفية ربط الموجودات على الترتيب السببي والمسببي إليه تعالى يعرف أنها مع كونها ظهوره تعالى تكون ذات آثار خاصة، فيكون الإنسان مع كونه فاعلا مختارا ظل الفاعل المختار وفاعليته ظل فاعليته تعالى * (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) * (6).
فتحصل من جميع ما ذكرنا: أن تعلق إرادته تعالى بالنظام الأتم لا ينافي كون الإنسان فاعلا مختارا، كما أن كون علمه العنائي منشأ للنظام الكياني لا ينافيه بل يؤكده [34].
[34] قوله (قدس سره): " العلم تابع للمعلوم " اعلم: أنهم قسموا العلم إلى أقسام: