مختارا، لأنه لو كان موجبا لكان العالم قديما، وهو باطل بما ذكروه أولا.
فظهر: أنهم ما بنوا حدوث العالم على القول بالاختيار، بل بنوا الاختيار على الحدوث.
وأما القول بنفي العلة والمعلول فليس بمتفق عليه عندهم، لأن مثبتي الأحوال من المعتزلة قائلون بذلك صريحا. وأيضا أصحاب هذا الفاضل - أعني الأشاعرة - يثبتون مع المبدأ الأول قدماء ثمانية سموها صفات المبدأ الأول.
فهم بين أن يجعلوا الواجب لذاته تسعة، وبين أن يجعلوها معلولات لذات واجبة هي علتها، وهذا شئ إن احترزوا عن التصريح به لفظا فلا محيص لهم عن ذلك المعنى.
فظهر: أنهم غير متفقين على القول بنفي العلة والمعلول مع اتفاقهم على القول بالحدوث.
وأما الفلاسفة فلم يذهبوا إلى أن الأزلي يستحيل أن يكون فعلا لفاعل مختار، بل ذهبوا إلى أن الفعل الأزلي يستحيل أن يصدر إلا عن فاعل أزلي تام في الفاعلية، وأن الفاعل الأزلي التام في الفاعلية يستحيل أن يكون فعله غير أزلي، ولما كان العالم عندهم فعلا أزليا أسندوه إلى فاعل أزلي تام في الفاعلية، وذلك في علومهم الطبيعية.
وأيضا لما كان المبدأ الأول عندهم أزليا تاما في الفاعلية حكموا بكون العالم الذي هو فعله أزليا، وذلك في علومهم الإلهية.
ولم يذهبوا أيضا إلى أنه ليس بقادر مختار، بل ذهبوا إلى أن قدرته واختياره لا يوجبان كثرة في ذاته، وأن فاعليته ليست كفاعلية المختارين من الحيوانات، ولا كفاعلية المجبورين من ذوي الطبائع الجسمانية، على ما سيجئ بيانه.
أقول: إن طريقة المتكلمين في إثبات الواجب تعالى مبتنية على الحدوث، وقرروه بوجوه:
منها - وهو المشهور في الاستدلال على حدوث الأجسام - أنها لا تخلو عن