الله * (والله هو الغني الحميد) * ولعل توصيف الغني بالحميد في الآية في المقام (1) إشارة لطيفة إلى ما أشرنا إليه سابقا (2) من أن المحامد كلها مختصة بذات الواجب الغني الذي بفنائه الذاتي أعطى كمال كل ذي كمال وجمال كل ذي جمال. فمبادي المحامد والمدائح منه وإليه و * (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ قدير عليم) * (3) [33].
[33] اعلم: أن إنكار المتكلمين إجراء قاعدة " الممكن ما لم يجب لم يوجد " في الفاعل المختار، خوفا من نفي الاختيار في الواجب تعالى عريق ينتهي إلى مسألة الحدوث والقدم في العالم. وإليك ما في " شرح الإشارات " للمحقق العلامة نصير الملة والدين الطوسي (قدس سره)، قال بعد كلام في رد اعتراضات الفخر الرازي على الشيخ (رحمه الله):
ثم قال - يعني الرازي - والتحقيق: أن الخلاف هاهنا بين الحكماء والمتكلمين لفظي، لأن المتكلمين جوزوا أن يكون العالم على تقدير كونه أزليا معلولا لعلة أزلية، لكنهم نفوا القول بالعلة والمعلول لا بهذا الدليل، بل بما دل على وجوب كون المؤثر في وجود العالم قادرا. وأما الفلاسفة فقد اتفقوا على أن الأزلي يستحيل أن يكون فعلا لفاعل مختار.
فإذن: حصل الاتفاق على أن كون الشئ أزليا ينافي افتقاره إلى القادر المختار، ولا ينافي افتقاره إلى العلة الموجبة، وإذا كان الأمر كذلك ظهر أنه لا خلاف في هذه المسألة.
أقول: هذا صلح من غير تراضي الخصمين، وذلك أن المتكلمين بأسرهم صدروا كتبهم بالاستدلال على وجوب كون العالم محدثا، من غير تعرض لفاعله، فضلا عن أن يكون فاعله مختارا أو غير مختار.
ثم ذكروا بعد إثبات حدوثه: أنه محتاج إلى المحدث، وأن محدثه يجب أن يكون