وجواز التوسل وحسنه يعد بحق من الأمور المعلومة لكل ذي دين، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين، وسير السلف الصالحين والعلماء العوام من المسلمين.
وحسبك من إنكار المنكر للاستعانة والتوسل، قول لم يقله عالم قبله، وقد وقفت له على كلام طويل في ذلك، رأيت أن أميل عنه ولا أتتبعه بالنقض والإبطال، فإن دأب القاصدين لإيضاح الدين وإرشاد المسلمين، تقريب المعنى إلى أفهامهم، وتحقيق مرادهم وبيان حكمه وأحكامه.
وعلى أي حال من الأحوال، ومهما بلغ قول المنكر من الانكار، فإن التوسل بالنبي جائز في كل حال، قبل خلقه، وبعد خلفه، في مدة حياته في الدنيا، وبعد موته في مدة البرزخ، وبعد البعث في عرصات القيامة، والجنة.
وهو على ثلاثة أنواع:
1 - النوع الأول: أن التوسل به بمعنى أن طالب الحاجة يسأل الله تعالى به، أو بجاهه أو ببركته. وله ثلاث حالات:
أما الحالة الأولى: قبل خلقه فيدل على ذلك آثار عن الأنبياء الماضين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، اقتصرنا منها على بعض ما تبين لنا صحته، وهو ما رواه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين، وعبد الرزاق في مصنفه، وابن أبي شيبة في مسنده: عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أوحى الله إلى عيسى يا عيسى آمن بمحمد، وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولاه ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فسكن.
وأما ما ورد من توسل نوح، وإبراهيم، وغيرهما من الأنبياء (عليهم السلام)، فذكره المفسرون، واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له.
ولا فرق في هذا المعنى بين أن يعبر عنه بلفظ التوسل، أو الاستعانة، أو التشفع أو التجوه. ولسنا في ذلك سائلين غير الله تعالى، ولا داعين إلا إياه، ويكون ذكر