اللهم إني أتوسل إليك بفلان، وأجراه على ما تدل عليه اللغة لوجد معناه، اللهم إني أتقرب إليك وأتحبب إليك، فهو دال بجوهره على أن التقرب لله لا لمن يراد جاهه!!
ومن جهل الفرق بين عبد وتوسل، كيف يصح له القياس في دين الله وإلحاق بعض الفروع ببعض، والقياس أصعب أنواع الاجتهاد، لكثرة ما يعتبر في أركانه من الشروط، وما يرد عليه من المعارضات والمناقضات وغير ذلك من أنواع الاعتراضات، فلا يصفو مشربه إلا لأهل الاجتهاد ومن أحاط بمداركهم على اختلاف مراتبهم، ومن قصر عن تلك المراتب لا يسوغ له الجزم بالحكم المأخوذ منه في دانق، فكيف بالحكم المأخوذ منه في تكفير المسلمين؟!!
الثالث: وحيث تحقق الفرق بين العبادة والتوسل، فالعبادة فيها معنى زائد يناسب إناطة الحكم به، وهو اشتمالها على الإعراض عن الله وإطلاق الإلهية على غيره وإقامته مقامه وخدمته بما يستحق أن يخدم، وقد أشار إلى هذا المعنى بعض فضلاء أهل السنة، وملخص كلامه:
أن الشبهة الحاملة لعبدة الأوثان على عبادتها هي أنهم استصغروا أنفسهم فاستعظموا أن يعبدوا الله مباشرة، ورأوا من سوء الأدب أن يشتغل الحقير من أول وهلة بخدمة العظيم، وقربوا ذلك بأمر مستحسن في العادة، وهو أن الحقير لا ينبغي له أن يخدم الملك حتى يخدم عماله إلى أن يترقى لخدمته، وقال: وهذه هي الحاملة على التوسل إلى الله تعالى بمن له جاه عنده، إلا أن الشرع أذن في التوسل ولم يأذن في العبادة، فكانت حاجة الكفار تندفع بما شرعه الله، إلا أن الله تعالى أعمى بصائرهم، ولو تنبهوا لأمر عادي آخر لأرشدهم، فإن الملك من ملوك الدنيا إذا استجاه له أحد بعظيم من وزرائه وتشفع له بذلك، ربما أقبل عليه وأخذ بيديه وقضى ما أراده منه. أما إذا عظم ذلك الوزير بما يعظم به الملك وعامله بمعاملته وأقامه في مقامه فيما يختص به الملك عن غيره، رجاء أن يقضي ذلك الوزير حاجته من الملك، فإن الملك إذا علم بصنيعه يغضب أشد