المبادرة بغاية الحب والخضوع والتعظيم، فاعتبر فيها ما اعتبر في اللغوية من الخضوع والتذلل والتعظيم.
فاللغوية غير مقيدة بعمل مخصوص والشرعية مقيدة بالأعمال المأمور بها فكانت جارية على الأعم الأغلب في الحقائق الشرعية من كونها أخص من اللغوية.
ومن أجل اختصاصها بالمأمور به خرجت عبادة اليهودي مثلا، لأنه وإن تمسك بشريعة إلا أنها لما كانت منسوخة كانت كأن لم تكن، وعبادة المبتدع في الدين ما ليس منه، فالله سبحانه لما نهى الكفار عما هم مشتغلون به من عبادة غيره، ووبخهم على وضع الشئ في غير محله وتعظيمهم غير أهله، وبين لهم بالدلائل الواضحة عدم صلوحية ما اتخذوه من دونه لما اتخذوه إليه، وكان الحامل لهم على ذلك اتباع أهوائهم، والاسترسال مع أغراضهم، وذلك مناف لعبوديتهم، إذا العبد لا يتصرف في نفسه بمقتضى شهوته وغرضه، وإنما يتصرف على مقتضى أمر سيده ونهيه، قصد سبحانه أن يخرجهم عن داعية أهوائهم واتباع أغراضهم، حتى يكونوا عبيدا لله تعالى، اختيارا كما هم عبيد له اضطرارا، فوضع لهم الشريعة المطهرة وبين لهم الأعمال التي تعبدهم بها، والطرق التي توصلهم إلى منافعهم ومصالحهم على الوجه الذي ارتضاه لهم، ونهاهم عن مجاوزة ما حد لهم....
وعلى هذا فشرط كونها عبادة نية التقرب للمعبود، فالسجود لا يكون عبادة ولا كفرا إلا تبعا للنية، فسجود الملائكة عليهم الصلاة والسلام لآدم عليه الصلاة والسلام عبادة لله لأنه امتثال لأمره وتقرب وتعظيم له، والسجود للصنم كفر إذا قصد به التقرب إليه إذ هو عبادة لغير الله، وكذا يحكم عليه به عند جهل قصده أو إنكاره لأنه علامة على الكفر.
والسجود للتحية معصية فقط في شرعنا، وقد كان سائغا في الشرائع السابقة بدليل سجود يعقوب وبنيه ليوسف عليهم الصلاة والسلام.
فتحقق من تعريفي العبادة لغة وشرعا أن العبادة التذلل والتعظيم للمعبود، وعليه