وأما هذا الوجه الدنيوي الذي نشاهده نحن من العالم الإنساني، وهو الذي يفرق بين الآحاد ويشتت الأحوال والأعمال بتوزيعها على قطعات الزمان وتطبيقها على مر الليالي والأيام ويحجب الإنسان عن ربه بصرف وجهه إلى التمتعات المادية الأرضية واللذائذ الحسية، فهو متفرع على الوجه السابق متأخر عنه. وموقع تلك النشأة وهذه النشأة في تفرعها عليها موقعا كن ويكون في قوله تعالى: أن نقول له كن فيكون.
يس - 82.
ويتبين بذلك أن هذه النشأة الإنسانية الدنيوية مسبوقة بنشأة أخرى إنسانية هي هي بعينها غير أن الآحاد موجودون فيها غير محجوبين عن ربهم، يشاهدون فيها وحدانيته تعالى في الربوبية بمشاهدة أنفسهم، ولولا من طريق الاستدلال، بل لأنهم لا ينقطعون عنه ولا يفقدونه ويعترفون به وبكل حق من قبله. وأما قذارة الشرك وألواث المعاصي فهو من أحكام هذه النشأة الدنيوية دون تلك النشأة التي ليس فيها إلا فعله تعالى القائم به، فافهم ذلك.
وأنت إذا تدبرت هذه الآيات ثم راجعت قوله تعالى: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم... الآية، وأجدت التدبر فيها وجدتها تشير إلى تفصيل أمر تشير هذه الآيات إلى إجماله، فهي تشير إلى نشأة إنسانية سابقة فرق الله فيها بين أفراد هذا النوع وميز بينهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا.
ولا يرد عليه ما أورد على قول المثبتين في تفسير الآية على ما فهموه من معنى عالم الذر من الروايات على ما تقدم، فإن هذا المعنى المستفاد من سائر الآيات والنشأة السابقة التي تثبته ولولا تفارق هذه النشأة الإنسانية الدنيوية زمانا، بل هي معها محيطة بها لكنها سابقة عليها السبق الذي في قوله تعالى: كن فيكون، ولا يرد عليه شئ من المحاذير المذكورة.
ولا يرد عليه ما أوردناه على قول المنكرين في تفسيرهم الآية بحال وجود النوع الإنساني في هذه النشأة الدنيوية من مخالفته لقوله: وإذ أخذ ربك، ثم التجوز في