عن علم وإرادة فيخطئ ويصيب، حتى يتدرب في تمييز الصواب من الخطأ والخير من الشر والنفع من الضر.
والظرف الذي يثبتونه أعني ما يصفونه من عالم الذر ليس بموطن العقل العملي، إذ ليس فيه شرائط حصوله وأسبابه، ولو فرضوه موطنا له وفيه أسبابه وشرائطه كما يظهر مما يصفونه تعويلا على ما في ظواهر الروايات أن الله دعاهم هناك إلى التوحيد فأجابه بعضهم بلسان يوافقه قلبه وأجابه آخرون وقد أضمروا الكفر وبعث إليهم الأنبياء والأوصياء فصدقهم بعض وكذبهم آخرون، ولا يجري ما هاهنا إلا على ما جرى به ما هنالك، إلى غير ذلك مما ذكروه، كان ذلك إثباتا لنشأة طبيعية قبل هذه النشأة الطبيعية في الدنيا نظير ما يثبته القائلون بالأدوار والأكوار، واحتاج إلى تقديم كينونة ذرية أخرى تتم بها الحجة على من هنالك من الإنسان، لأن عالم الذر على هذه الصفة ولولا يفارق هذا العالم الحيوي الذي نحن فيه الآن، فلو احتاج هذا الكون الدنيوي إلى تقديم إشهاد وتعريف حتى تحصل المعرفة وتتم الحجة لاحتاج إليه الكون الذري من غير فرق فارق البتة.
على أن الإنسان لو احتاج في تحقق المعرفة في هذه النشأة الدنيوية إلى تقدم وجود ذري يقع فيه الإشهاد ويوجد فيه الميثاق حتى تثبت بذلك المعرفة بالربوبية، لم يكن في ذلك فرق بين إنسان وإنسان، فما بال آدم وحواء استثنيا من هذه الكلية، فإن لم يحتاجا إلى ذلك لفضل فيهما أو لكرامة لهما ففي ذريتهما من هو أفضل منهما وأكرم، وإن كان لتمام خلقتهما يومئذ فأثبتت فيهما المعرفة من غير حاجة إلى إحضار الوجود الذري، فلكل من ذريتهما أيضا خلقة تامة في ظرفه الخاص به، فلم لم يؤخر إثبات المعرفة فيهم ولهم إلى تمام خلقتهم بالولادة حتى تتم عند ذلك الحجة، وأي حاجة إلى التقديم.
فهذه جهات من الإشكال في تحقق الوجود الذري للإنسان على ما فهموه من الروايات ولولا طريق إلى حلها بالأبحاث العلمية، ولا حمل الآية عليه معها حتى بناء