والتكلم بالاعتراف من أنفسهم، وإن كانوا في نشأة الدنيا على غفلة مما عدا المعرفة بالاستدلال، ثم إذا كان يوم البعث وانطوى بساط الدنيا وانمحت هذه الشواغل والحجب عادوا إلى مشاهدتهم ومعاينتهم، وذكروا ما جرى بينهم وبين ربهم.
ويحتمل أن يكون الخطاب راجعا إلينا معاشر المخاطبين بالآيات، أي إنما فعلنا ببني آدم ذلك حذر أن تقولوا أيها الناس يوم القيامة كذا وكذا، والأول أقرب ويؤيده قراءة أن يقولوا بلفظ الغيبة.
وقوله: أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل، هذه حجة الناس إن فرض الإشهاد وأخذ الميثاق من الآباء خاصة دون الذرية، كما أن قوله أن تقولوا الخ، حجة للناس إن ترك الجميع فلم يقع إشهاد ولا أخذ ميثاق من أحد منهم.
ومن المعلوم أن لو فرض ترك الإشهاد وأخذ الميثاق في تلك النشأة كان لازمه عدم تحقق المعرفة بالربوبية في هذه النشأة إذ ولولا حجاب بينهم وبين ربهم في تلك النشأة، فلو فرض هناك علم منهم كان ذلك إشهادا وأخذ ميثاق، وأما هذه النشأة فالعلم فيها من وراء الحجاب وهو المعرفة من طريق الاستدلال، فلو لم يقع هناك بالنسبة إلى الذرية إشهاد وأخذ ميثاق كان لازمه في هذه النشأة أن ولولا يكون لهم سبيل إلى معرفة الربوبية فيها أصلا، وحينئذ لم يقع منهم معصية شرك بل كان ذلك فعل آبائهم وليس لهم إلا التبعية العملية لآبائهم والنشوء على شركهم من غير علم، فصح لهم أن يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون.
قوله تعالى: وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون، تفصيل الآيات تفريق بعضها وتمييزه من بعض ليتبين بذلك مدلول كل منها ولا تختلط وجوه دلالتها، وقوله:
ولعلهم يرجعون، عطف على مقدر والتقدير لغايات عالية كذا وكذا ولعلهم يرجعون من الباطل إلى الحق.
(ثم أورد صاحب الميزان (رحمه الله) رواية ابن الكوا المتقدمة، وقال):