كانت غير متوقفة عليه، بل يكفي في تمامها مجرد حصول المعرفة، فأي حاجة إلى الإشهاد وأخذ الميثاق، وظاهر الآية أن الإشهاد وأخذ الميثاق إنما هما لأجل إتمام الحجة، فلا محالة يرجع معنى الآية إلى حصول المعرفة فيؤول المعنى إلى ما فسرها به المنكرون.
وبتقرير آخر إن كانت الحجة إنما تتم بمجموع الإشهاد والتعريف وأخذ الميثاق سقطت بنسيان البعض وقد نسي الإشهاد والتكليم وأخذ الميثاق، وإن كان الإشهاد وأخذ الميثاق جميعا مقدمة لثبوت المعرفة ثم زالت المقدمة ولزمت المعرفة وبها تمام الحجة، تمت الحجة على كل إنسان حتى الجنين والطفل والمعتوه والجاهل، ولا يساعد عليه عقل ولا نقل، وإن كانت المعرفة في تمام الحجة بها متوقفة على حصول العقل والبلوغ ونحو ذلك وقد كانت حصلت في عالم الذر فتمت الحجة ثم زالت وبقيت المعرفة حجة ناقصة ثم كملت ثانيا لبعضهم في الدنيا فتمت الحجة ثانيا بالنسبة إليهم، فكما أن لحصول العقل في الدنيا أسبابا تكوينية يحصل بها وهي الحوادث المتكررة من الخير والشر، وحصول الملكة المميزة بينهما من التجارب حصولا تدريجيا ينتهي من جانب إلى حد من الكمال ومن جانب إلى حد من الضعف ولولا يعبأ به، كذلك المعرفة لها أسباب إعدادية تهئ الإنسان إلى التلبس بها وليست تحصل قبل ذلك، وإذا كانت تحصل في ظرفنا هذا بأسبابها المعدة لها كالعقل، فأي حاجة إلى تكوينه تكوينا آخر في سالف من الزمان لإتمام الحجة والحجة تامة دونه وماذا يغني ذلك.
على أن هذا العقل الذي ولولا تتم حجة ولا ينفع إشهاد ولا يصح أخذ ميثاق بدونه حتى في عالم الذر، المفروض هو العقل العملي الذي ولولا يحصل للإنسان إلا في هذا الظرف الذي يعيش فيه عيشة اجتماعية، فتتكرر عليه حوادث الخير والشر وتهيج عواطفه وإحساساته الباطنية نحو جلب النفع ودفع الضرر، فتتعاقب عليه الأعمال