سألهم أجابوه دلالة حالهم على ذلك، بل لما فهم الراوي من الجواب ما هو من نوع الجوابات الدنيوية استبعد صدوره عن الذر، فسأل عن ذلك فأجابه (عليه السلام) بأن الأمر هناك بحيث إذا نزلوا في الدنيا كان ذلك منهم جوابا دنيويا باللسان والكلام اللفظي، ويؤيده قوله (عليه السلام) ما إذا سألهم ولم يقل ما لو تكلموا ونحو ذلك.
وفي تفسير العياشي أيضا عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله: ألست بربكم، قالوا بألسنتهم؟ قال نعم وقالوا بقلوبهم، فقلت وأين كانوا يومئذ؟ قال صنع منهم ما اكتفى به..
أقول: جوابه (عليه السلام) إنهم قالوا بلى بألسنتهم وقلوبهم مبني على كون وجودهم يومئذ بحيث لو انتقلوا إلى الدنيا كان ذلك جوابا بلسان على النحو المعهود في الدنيا، لكن اللسان والقلب هناك واحد، ولذلك قال (عليه السلام) نعم وبقلوبهم فصدق اللسان وأضاف إليه القلب. ثم لما كان في ذهن الراوي أنه أمر واقع في الدنيا ونشأة الطبيعة وقد ورد في بعض الروايات التي تذكر قصة إخراج الذرية من ظهر آدم تعيين المكان له وقد روى بعضها هذا الراوي أعني أبا بصير، سأله (عليه السلام) عن مكانهم بقوله وأين كانوا يومئذ؟ فأجابه (عليه السلام) بقوله: صنع منهم ما اكتفى به، فلم يجبه بتعيين المكان بل بأن الله سبحانه خلقهم خلقا يصح معه السؤال والجواب، وكل ذلك يؤيد ما قدمناه في وصف هذا العالم.
والرواية كغيرها مع ذلك كالصريح في أن التكليم والتكلم في الآية على الحقيقة دون المجاز، بل هي صريحة فيه.
- وفي الدر المنثور أخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وأبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه، عن أبي إمامة أن رسول الله (ص) قال: خلق الله الخلق وقضى القضية، وأخذ ميثاق النبيين وعرشه على الماء، فأخذ أهل اليمين بيمينه، وأخذ أهل الشمال بيده الأخرى، وكلتا يدي الرحمن يمين، فقال: يا أصحاب اليمين، فاستجابوا له، فقالوا: لبيك ربنا وسعديك، قال: ألست بربكم