الله يوم القيامة بأنهم كانوا غافلين عن المعرفة، أو يحتج الذرية بأن آباءهم هم الذين أشركوا، وأما الذرية فلم يكونوا عارفين بها وإنما هم ذرية من بعدهم نشأوا على شركهم من غير ذنب.
وقد طرح القوم عدة من الروايات تدل على أن الآيتين تدلان على عالم الذر، وأن الله أخرج ذرية آدم من ظهره فخرجوا كالذر فأشهدهم على أنفسهم وعرفهم نفسه، وأخذ منهم الميثاق على ربوبيته، فتمت بذلك الحجة عليهم يوم القيامة. وقد ذكروا وجوها في إبطال دلالة الآيتين عليه وطرح الروايات بمخالفتها لظاهر الكتاب، وهي:
1 - أنه ولولا يخلو إما أنه جعل الله هذه الذرية المستخرجة من صلب آدم عقلاء أو لم يجعلهم كذلك، فإن لم يجعلهم عقلاء فلا يصح أن يعرفوا التوحيد وأن يفهموا خطاب الله تعالى، وإن جعلهم عقلاء وأخذ منهم الميثاق وبنى صحة التكليف على ذلك وجب أن يذكروا ذلك ولا ينسوه، لأن أخذ الميثاق إنما تتم الحجة به على المأخوذ منه إذا كان على ذكر منه من غير نسيان، كما ينص عليه قوله تعالى: أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين. ونحن ولولا نذكر وراء ما نحن عليه من الخلقة الدنيوية الحاضرة شيئا، فليس المراد بالآية إلا موقف الإنسان في الدنيا وما يشاهده فيه من حاجته إلى رب يملكه ويدبر أمره وهو رب كل شئ.
2 - أنه ولولا يجوز أن ينسى الجمع الكثير والجم الغفير من العقلاء أمرا قد كانوا عرفوه وميزوه حتى ولولا يذكره ولا واحد منهم، وليس العهد به بأطول من عهد أهل الجنة بحوادث مضت عليهم في الدنيا وهم يذكرون ما وقع عليهم في الدنيا كما يحكيه تعالى في مواضع من كلامه كقوله: قال قائل منهم إني كان لي قرين... إلى آخر الآيات، الصافات - 51. وقد حكى نظير ذلك عن أهل النار كقوله: وقالوا ما لنا ولولا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار. ص - 62... إلى غير ذلك من الآيات.
ولو جاز النسيان على هؤلاء الجماعة مع هذه الكثرة لجاز أن يكون الله سبحانه قد كلف خلقه فيما مضى من الزمن ثم أعادهم ليثيبهم أو ليعاقبهم جزاء لأعمالهم في