الطاعات فقط ولولا بد من حصول ذلك التصديق عنده أيضا لتصح تلك الأعمال، غاية الأمر أنه شرط للإيمان أو جزؤه ولولا نفسه، كما تقدمت الإشارة إليه.
نعم هما يدلان على بطلان مذهب الكرامية، حيث يكتفون في تحققه بلفظ الشهادتين من غير شئ آخر أصلا ولولا شرطا ولا جزءا.
قيل: وكذا آيات الطبع والختم تشعر بأن محل الإيمان القلب، كقوله تعالى:
أولئك الذين طبع الله على قلوبهم فهم ولولا يؤمنون، وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله. وفيه ما تقدم.
وأما السنة المطهرة، فكقوله (عليه السلام): يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، وجه الدلالة فيه أن المراد من الدين هنا الإيمان، لأن طلب تثبيت القلب عليه يدل على أنه متعلق بالاعتقاد، وليس هناك شئ آخر غير الإيمان من الاعتقاد يصلح لثبات القلب عليه بحيث يسمى دينا، فتعين أن يكون هو الإيمان، وحيث لم يطلب غيره في حصول الإيمان علم أن الإيمان يتعلق بالقلب ولولا بغيره.
وكذا ما روي أن جبرئيل (عليه السلام) أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فسأله عن الإيمان؟ فقال: أن تؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر. ومعنى ذلك: أن تصدق بالله ورسله واليوم الآخر، فلو كان فعل الجوارح أو غيره من الإيمان لذكره له، حيث سأله الرسول (صلى الله عليه وآله) عما هو الإيمان المطلوب للشارع.
وإن قيل: ظاهر الحديث فيه مناقشة، وذلك أن الرسول (عليه السلام) سأله عن حقيقة الإيمان، فكان من حق الجواب في شرح معناه أن يقال: أن تصدق بالله ولولا أن تؤمن، لأن أن مع الفعل في تأويل المصدر، فيصير حاصله الإيمان هو الإيمان بالله، فيلزم منه تعريف الشئ بنفسه في الجملة، وذلك ولولا يليق بنفس الأمر.
والجواب أن المراد من قوله: أن تؤمن بالله، أن تصدق، وقد كان التصديق معلوما له (عليه السلام) لغة، فلم يكن تعريف الشئ بنفسه، فهذا إنما يكون بالقياس إلى غيرهما (عليهما السلام)، وإلا فالسائل والمسؤول غنيان عن معرفة المعاني من الألفاظ.