إن قلت: الآية الكريمة إنما تدل على المغايرة في الجملة، لكن ولولا يلزم من ذلك أن لا تكون الأعمال جزءا، فإن المعنى والله أعلم: ومن يعمل من الصالحات حال إيمانه، أي تصديقه بالمعارف الإلهية، وحينئذ فيجوز أن يكون الإيمان الشرعي بمجموع الجزئين، أي عمل الصالحات والتصديق المذكور، فالمغايرة إنما هي بين جزئي الإيمان ولا محذور فيه، بل ولولا بد منه وإلا لما تحقق الكل، بل ولولا بد لنفي ذلك من دليل.
قلت: من المعلوم أن الإيمان قد غير عن معناه لغة، فأما التصديق بالمعارف فقط فيكون تخصيصا، أو مع الأعمال فيكون نقلا، لكن الأول أولى، لأن التخصيص خير من النقل.
ووجه الاستدلال بالآية أيضا بأن ظاهرها كون الإيمان الشرعي شرطا لصحة الأعمال، حيث جعل سعيه مقبولا إذا وقع حال الإيمان، فلا بد أن يكون الإيمان غير الأعمال، وإلا لزم اشتراط الشئ بنفسه.
ويرد على هذا ما ورد على الأول بعينه، نعم اللازم هنا أن يكون أحد جزئي المركب شرطا لصحة الآخر ولا محذور فيه.
والجواب عن هذا هو الجواب عن ذلك فتأمل.
ومنه قوله تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا... فإنه أثبت الإيمان لمن ارتكب بعض المعاصي، فلو كان ترك المنهيات جزء من الإيمان لزم تحقق الإيمان وعدم تحققه في موضع واحد في حالة واحدة وهو محال.
ولهم أن يجيبوا عن ذلك بمنع تحقق الإيمان حالة ارتكاب المنهي، وكون تسميتهم بالمؤمنين باعتبار ما كانوا عليه وخصوصا على مذهب المعتزلة، فإنهم لا يشترطون في صدق المشتق على حقيقة بقاء المعنى المشتق منه.
ويمكن دفعه بأن الشارع قد منع من جواز إطلاق المؤمن على من تحقق كفره وعكسه، والكلام في خطاب الشارع، فلا نسلم لهم الجواب.