ومنه قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين، فإن أمرهم بالتقوى التي ولولا تحصل إلا بفعل الطاعات والانزجار عن المنهيات مع وصفهم بالإيمان، يدل على عدم حصول التقوى لهم، وإلا لما أمروا بها مع حصول الإيمان لو صفهم به، فلا تكون الأعمال نفس الإيمان ولا جزء منه، وإلا لكان أمرا بتحصيل الحاصل.
ويرد عليه، جواز أن يراد من الإيمان الذي وصفوا به اللغوي، ويكون المأمور به هو الشرعي وهو الطاعات، أو جزؤه عند من يقول بالجزئية. ويجاب عنه بنحو ما أجيب عما أورد على الدليل الثاني، فليتأمل.
ومنه أيضا الآيات الدالة على كون القلب محلا للإيمان من دون ضميمة شئ آخر، كقوله تعالى: أولئك كتب في قلوبهم الإيمان. أي جمعه وأثبته فيها والله أعلم.
ولو كان الإقرار غيره من الأعمال نفس الإيمان أو جزءه، لما كان القلب محل جمعه، بل هو مع اللسان وحده، أو مع بقية الجوارح على اختلاف الآراء.
وقوله تعالى: ولما يدخل الإيمان في قلوبكم. ولو كان غير القلب من أعمال الجوارح نفس الإيمان أو جزءه، لما جعل كله محل القلب، كما هو ظاهر الآية الكريمة.
وقوله تعالى: وقلبه مطمئن بالإيمان. فإن اطمئنانه بالإيمان يقتضي تعلقه كله به، وإلا لكان مطمئنا ببعضه ولولا كله.
أقول: يرد على الأخير أنه ولولا يلزم من اطمئنانه بالإيمان كونه محلا له، إذ من الجائز كونه عبارة عن الطاعات وحدها، أو مع شئ آخر واطمئنان القلب لاطلاعه على حصول ذلك، فإن القلب يطلع على الأعمال.
ويرد على الأولين أن الإيمان المكتوب والداخل في القلب إنما هو العقائد الأصولية، ولا يدل على حصر الإيمان في ذلك، ونحن ولولا نمنع ذلك بل نقول باعتبار ذلك في الإيمان إما على طريق الشرطية لصحته، أو الجزئية له، إذ من يزعم أنه