الاختلاف والتغير أولا وزوالها ثانيا، وقوله تعالى فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا أي اذبحهن وبدد أجزائهن واخلطها ثم فرقها على الجبال، الموجودة هناك لتتباعد الأجزاء وهي غير متميزة، وقوله ثم أدعهن أي أدع الطيور يأتينك سعيا، أي يتجسدن واتصفن بالإتيان والإسراع إليك. والذي نريد القول به من كل هذا البيان أن الله تعالى أجرى الولاية التكوينية على يد إبراهيم الخليل وبإذنه تعالى حيث يقول الباري عز وجل: فخذ، فصرهن، ثم اجعل بصيغة الأمر ويقول ثم أدعهن يأتينك فإن الله تعالى جعل إتيانهن سعيا وهو الحياة مرتبطا متفرعا على دعوة إبراهيم نفسه فهذه الدعوة هي السبب الذي يفيض عنه حياة ما أريد إحيائه، ولا الإحياء إلا بأمر الله تعالى، قد كانت متصلة نحو اتصال بأمر الله الذي منه تترشح حياة الإحياء، وعند ذلك شاهده إبراهيم ورأى كيفية فيضان الأمر بالحياة، ولو كانت دعوة إبراهيم إياهن غير متصلة بأمر الله الذي هو أن يقول لشئ أراده: كن فلا يكون فلا تأثير جزافي في الوجود فيظهر من هذا كله أن إبراهيم كان تصرفه تكوينيا أي أعطاه الله الولاية التي نسميها ولاية تكوينية وبإذن الله تعالى. وكذلك قوله تعالى: (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب) (1) في قضية سليمان حيث أعطاه لله تبارك وتعالى ولاية وتصرف في الريح وهل هذا إلا ولاية وتصرف في التكوينات؟ ومنها قوله تعالى: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل الله الأمر جميعا...) (2 عن تفسير علي بن إبراهيم قوله: ولو أن قرآنا الخ الآية قال: لو كان شئ من القرآن كذلك لكان هذا أقول: يعني لو كان شئ مما أقدره الله لعباده فيما أنزل عليهم من الوحي مما فيه هذه القدرة، التي بها تسير الجبال وتقطع الأرض ويحي الموتى لكان هو هذا القرآن المنزل عليه صلى الله عليه وآله وسلم. ولا ريب أن هذه الآثار الثلاثة تنبئ عن أن المنزل عليهم هذا القرآن قد أمكنهم الله من هذه الأمور، فم أعطاهم من القدرة، التي بها يتصرفون في الموجودات، وهذه حقيقة الولاية التكوينية الثابتة، لهم
(٢٥٦)