لدرئه ومناهضته، فأخذت على نفسها الذب عن الحق وأهله، وحملت لواء الشريعة الإسلامية أصولها وفروعها، وقصدت لكل مهاجم ومعاند، وأعلنت حربا لا هوادة معها على الغلاة (1)، وناضلت ضد المعتزلة والمتصوفة والمرجئة والخوارج والأشاعرة، وصححت لعلماء الكلام الذين حاولوا إثبات الدين كثيرا مما وقعوا فيه من الأخطاء، وجرت بين هؤلاء من جهة، وبين الإمام الصادق وتلاميذه من جهة مناظرات ومجادلات كان الفوز والنصر فيها لمدرسة الإمام، فأثبت بالبرهان أن أقوالهم تبتعد عن الحق بمقدار صدودها عن السلام وتعاليمه (2).
لذا اتجهت الأنظار إلى المعلم الأكبر، وتشيع له المفكرون، وحفظوا أقواله ودونوها، واعتبروها الفصل بين الحق والباطل، وبين الأصيل والدخيل، تماما كأقوال جده الرسول (ص).
وكان من نتيجة هذه الفترة، ومرافقتها لتلك الحركات الفكرية أن عرف المذهب صافيا على حقيقته في العقائد والتفسير، والأخلاق والفقه وأصوله، وأخذ التشيع معناه ومجراه في إطاره العلمي أصولا وفروعا. وقد كان المذهب في أشد الحاجة إلى هذا المتنفس والمنطلق الذي صادف وجود الإمام، إذ لو أمكنت الفرصة ولم يوجد الإمام، أو وجد ولم تكن الفرصة ممكنة، أو تحقق الأمران ولم تكن تلك الحركات الفكرية لم يكن لنا هذا التراث الضخم في شتى العلوم الإسلامية، خصوصا الفقه، بل لم يكن هذا التقارب بين الشيعة والسنة في أصول الدين ومبادئ التشريع. فالفضل في استقلال المذهب وتركيزه، كما هو الآن يعود للإمام الصادق بعد أن أسعفته الظروف، ومهدت له السبيل، ومن هنا أطلق على الشيعة لفظ الجعفريين، وعلى فقههم الفقه الجعفري.
نحن نؤمن وندين بأن كل إمام من الأئمة الاثني عشر عنده علم الكتاب وسنة الرسول بكاملهما، وأنه أعلم أهل زمانه على الإطلاق، ولكن العلم ليس بالسبب الكافي لبثه ونشره ما لم تواكبه عوامل أخرى، وقد ساعد الإمام الصادق