وجوهره، لأنه هو هو في جميع المراحل والأدوار لا تبديل فيه ولا تعديل، وإنما هو - أي التقسيم - باعتبار خصائص العصر الذي مر به التشيع، وعناية الدعاة والرواد بهذه الخصائص، تماما كما هو الشأن بالقياس إلى موقف علماء الفرق الإسلامية من التيارات الأجنبية، والعلوم الدخيلة حينذاك.
لقد سبق الشيخ المفيد علماء أعلام كان لهم أحسن الأثر في خدمة المذهب، كالكليني صاحب الكافي، والصدوق صاحب من لا يحضره الفقيه، ولكن هذين العظيمين ومن إليهما كانوا امتدادا لرواة الحديث عن الأئمة الأطهار، ووعاة لأخبارهم وآثارهم يحفظونها من الضياع، أما الشيخ المفيد فكان المدافع الأكبر عن هذه الخبار والآثار.
لقد تكاثرت في عصر المفيد المدارس وحلقات الدرس، وبلغ علم الكلام والجدل الغاية، ونبغ عدد كبير من العلماء والمتكلمين، وكان من أبرز خصائصهم المناقشات والمناظرات حول قضايا الدين والمذهب، وكانت المنافسة حامية وعلى أشدها بين مذهب الأشاعرة، ومذهب الاعتزال، وقد وضع علماء كل طائفة كتبا في الطعن والرد على مذهب الأخرى، ولكنهم تظاهروا جميعا على الشيعة والتشيع، غير أن الشيخ المفيد كان لهم بالمرصاد.
فكان يجيب عن شبهاتهم وطعونهم بنظر دقيق، وبصر ثاقب، واستخراج عجيب، ثم يورد عليهم ما لم يستطيعوا معه إلا الاذعان والتسليم. كان يشرح عقيدة التشيع، ويدعمها بالدليل القاطع، وينثر الفلسفة في شرحه وتأييده وتفنيده.
وكان له فضل السبق إلى الاعتماد على منطق العقل والتفكير الحر، فقبل الشيخ المفيد كان المؤمنون لا يتجاوزون حرفية النصوص إلى العقل، وبعده أصبح العقل حليفا للنصوص الدينية، وأساسا للعقيدة، وإذا قال أغسطين: " آمن كي تتعقل " فقد قال الشيخ المفيد: " تعقل كي تؤمن ".
قال الشيخ عبد الله نعمة، وهو يترجم له في كتاب " فلاسفة الشيعة ":
" كانت الشيعة القوة الثالثة بين مذهب المعتزلة ومذهب الأشاعرة. وقد تزعم هذه القوة في هذا العهد أبو عبد الله المفيد، وكان عليه، وهو دماغ الشيعة المكفر أن يشترك في هذا الصراع العنيف، ويجالد على عدة جبهات، ويناظر