على بث علومه ومعارفه العامل الحضاري من جهة، وفترة انتقال الحكم من الأمويين إلى العباسيين من جهة ثانية، ووجود رواة ثقات كثيرين يؤمنون بالصادق، ويحسنون الأخذ عنه من جهة ثالثة، حتى ذهب بعض علماء الإمامية إلى القول بتوثيق الأربعة آلاف راو بدون استثناء. وقد يكون هناك عوامل أخرى خفيت علينا إلى جانب هذه العوامل التي استبانت لنا.
وعلى أية حال، فإن هذه السباب مجتمعة لم تتوافر لأحد من الأئمة غير الإمام الصادق، فقد كان للإمام علي حواريون وأصحاب خلص، كميثم التمار، وكميل بن زياد، وحجر بن عدي، ومحمد بن أبي بكر وغيرهم، ولكنه مني في خلافته بالحروب والفتن الداخلية، ولما انتقل إلى جوار ربه عمل معاوية على طمس آثاره، وقتل رجاله، والقضاء على كل ما يمت إليه بسبب، أما عهد الحسنين والإمام السجاد فهو عهد معاوية وولده يزيد، وزياد وابنه عبيد الله، وعبد الملك وشيطانه الحجاج، عهد مذابح الشيعة ومجازرهم، واستشهاد أئمتهم، عهد سم الحسن، ومذبحة مرج عذراء، ومأساة كربلاء، ووقعة الحرة، وما إليها.
أما الإمام الباقر فهو المؤسس الأول لمدرسة ولده الصادق، فقد كان له أصحاب وتلاميذ من كبار التابعين وأعيان الفقهاء والمحدثين يتحلقون حوله للدرس في مسجد جده الرسول، ولكن الله سبحانه قد اختاره إليه قبل أن تبلغ هذه المدرسة الغاية في النمو والازدهار، فقبض في خلافة هشام بن عبد الملك، وهو ابن 57 سنة، فخلفه ولده الإمام الصادق، وتوالت على مدرسته حظوظ وتوفيقات شتى، حيث ربا عدد تلاميذها على ما كانوا أيام أبيه، وأصبح الذين يفدون إليها، ويهتدون بهديها يعدون بالألوف.
وبعد الإمام الصادق عادت الظروف إلى قسوتها، والحوادث إلى شدتها على الأئمة وشيعتهم، ولكن المذهب كان قد انتشر في كل قطر، وعرفت معالمه، وتركزت أسسه، وحفظ ودون، وعمل الناس به منذ أيام الصادق، حتى اليوم، وإلى آخر يوم.
وبالتالي، فإن مذهب أهل البيت تبلور واتخذ صورته واضحة جلية، وثبتت أركانه ودعائمه في عهد الإمام الصادق، وأصبح للشيعة فقههم المستقل،