أجل، منذ اليوم الأول لفاجعة كربلاء، والشيعة يتوافدون إلى زيارة قبر الحسين، ويقيمون المآتم الحسينية، وإن لم تكن على الشكل الذي عليه الآن، وأول من زار الضريح المقدس الصحابي المعروف جابر بن عبد الله الأنصاري، مع جماعة من الشيعة، وأول من أبو باهل الجمحي، قال كرد علي في الجزء السادس من كتاب " خطط الشام " ص 256 طبعة 1928:
" تجتمع الشيعة في الأيام عاشوراء، فتقيم المآتم على الحسين بن علي شهيد كربلاء عليه السلام، وعهدهم بذلك بعيد يتصل بعصر الفاجعة، وأول من رثاه أبو باهل الجمحي بقصيدة يقول فيها:
تبيت النشاوى من أمية نوما * وبالطف قتلى ما ينام حميمها والظاهر من سيرة ديك الجن الحمصي في كتاب " الأغاني " أن هذه الاجتماعات للمآتم كانت معروفة في زمانه، ثم أن بني بويه أيام دولتهم عنوا بها مزيد العناية، ولا تزال إلى اليوم تقام في جميع أقطار الشيعة، وليست هي من الفروض، كما يتوهم، بل يستحبونها، لأنها تصدر عن ولاء ومحبة. وقد تطرف بعض العجم، فأبدعوا فيها بدعا يمقتها الله والناس، من ضرب أنفسهم بالمدي، وإسالة الدماء على أثوابهم، وعمل ما يسمونه الشبيه، وقد مقته العلماء من الشيعة، ولم تذعن لهم به العامة في كثير من البلدان التي استحكمت فيها هذه العادة ".
ومن الدعاة الأول للتشيع جميع بني هاشم، وعلى رأسهم العباس عم الرسول، وكثير من الأصحاب، وقد ذكرنا أسماءهم فيما سبق، وكان أشهرهم وأكثرهم حماسا أربعة: سلمان وأبو ذر، وعمار، والمقداد، فقد أولوا الدعاء لعلي اهتماما بالغا، وعناية خاصة، ونظروا إلى خلافته كركن من أركان الإسلام، وشرط لقوة المسلمين واجتماع شملهم، وتوحيد كلمتهم، ولم يشكوا لحظة في أن انصرافها عن علي إلى غيره مخالفة صريحة لنصوص الكتاب والسنة، ومعصية الله ورسوله.
سلمان الفارسي:
وكان سلمان من رؤوس أصحاب رسول الله، وأثنى عليه النبي بأحاديث