أما إذا كانت الأمة أوزاعا متباينة وشيعا متباغضة لاهية بعبثها غافلة عن رقيها لتكونن حيث منابت الشيح ومها في الريح أذل الأمم دارا وأجدبها قرارا، مذقة الشارب ونهزة الطامع وهدف السهام وقبسة العجلان، في باحة ذل وحلقة ضيق وعرصة موت وحومة بلاء، لا تأوي إلى جناح دعوة، ولا تعتصم بظل منعة. فحذا حذار من بقاء الفرقة وتشتت الألفة واختلاف الكلمة وتنافر الأفئدة " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم "، " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا "، " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ".
ألا وإنا في عصر العلم ودور الذكاء والفطنة، قد تفجر لذوي العصر ينبوع الحكمة وتقشعت عن أبصارهم غياهب العشوة، فزهر كهرباء النور من أفكارهم وأشرقت شموس الفضل من وجوههم، فهلا شرعوا خطي أقلامهم وجردوا صوارمها ووتروا قسي أفكارهم وناضلوا بثواقبها فأزهقوا نفس العصبية ومحقوا آثارها وصدعوا بوظائف الإنسانية ورفعوا منارها وهتفوا بدعوة التمدن واعتنوا باتحاد التشيع والتسنن بخطابة تملأ مسمع الدهر وملامة تفلل جلاميد الصخر، فمتى يطلقون عنان براعتهم ويحملون على جيوش التوحش بيراعتهم، وينهضون باجتماع الاملاء ويصدعون بأسباب التمدن والارتقاء ويحذرون الأمة مما يصطلم حوزتها ويفرق جماعتها، فإن الله سبحانه يقول: " ولا تنازعوا فتفشلوا ".
وإني صادع بهذه المقالة شارع بعون الله تعالى في تصنيف رسالة سميتها (الفصول المهمة في تأليف الأمة). " إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ".