فقوله: " الآن كما عليه كان " ليس تأويلا للحديث كما زعمه من سلك مسلكه، بل هو في الحقيقة رد لهذا الخبر المشهور المستفيض وطعن فيه بعدم مطابقته الواقع، حيث إنه يفيد كينونة شئ معه الآن، ومذهب التصوف أنه الآن كما عليه كان، من عدم مقارنة شئ معه في الوجود، وهذا كما ترى مع مخالفته النقل يخالف العقل أيضا، فإن الضرورة قاضية باتصاف الماهيات بالوجود اتصافا حقيقيا، والمنازع فيه مكابر مقتضى عقله لو كان له عقل، ولهذا أجمع المتكلمون على أن الوجود حقيقة في الواجب والممكن، لأنه لو كان مجازا في أحدهما لصح نفيه عنه، لأنه من أمارة المجاز، ولكنه غير صحيح بالضرورة.
ولعل الجنيد لما استشعر بمنافاته مذهبه، ولم يمكنه إنكاره لشهرته واستفاضته قال ذلك تغريرا للعوام، ولم يبال عما يلزمه من المكابرة ورد قوله (عليه السلام) وإن كان كفرا، نعوذ بالله منه.
وأغرب منه قول من تلقى قوله بالقبول كأنه وحي نزل على الرسول، حيث قال (1) في رسالته الموسومة باللآلي: وچون تعين امر اعتبارى است ظهور آن بواسطهء نورى است كه در مراتب سارى است، جنيد كه حديث كان الله ولم يكن معه شئ را شنيد گفت: الآن كما كان، وهمانا اين ضميمه در حديث مندرج است.
وأعجب من ذلك أنه أول الحديث وقول الجنيد جمعا في رسالته المسماة بقرة العيون إلى الحدوث الذاتي، حيث قال: إن المصنوع يمتنع أن يكون في مرتبة ذات الصانع، لأن معنى الصانعية والمصنوعية ليس إلا تقدم ذات على ذات، توجد الثانية من الأولى، ولو كانتا معا لكان الصنع تحصيلا للحاصل، فكان الصانع في أزل قدمه، والمصنوع بعد في حيز عدمه، فكان الصانع ولا مصنوع، ثم حدث المصنوع بإحداث الصانع إياه، قال: وهذا معنى حديث " كان الله ولم يكن معه شئ " وقول من قال: " الآن كما عليه كان " فمعنى كان هنا معناه في قوله تعالى:
* (وكان الله عليما حكيما) * فهو منسلخ عن معنى الماضي، بل عن مطلق الزمان (2).