فما نقله في الكشاف: قيل: كان هابيل أقوى من قابيل، ولكن تحرج عن قتله واستسلم له خوفا من الله، لأن الدفع لم يكن مباحا في ذلك الوقت، أو تحريا لما هو الأفضل، قال (عليه السلام): " كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل " (1) محل نظر، إذ التسليم غير ظاهر، وكذا كونه مباحا، فإن وجوب حفظها عقلي كما سبق، ولا يمكن إباحة التسليم الذي ينافيه بل هو قتل النفس.
وقوله: * (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين) * (2) لا يدل على التسليم، بل يدل على عدم بسطه يده بقصد قتله لا للدفع أيضا، وهو ظاهر حسن مطابق لما سبق من أن المظلوم إنما يحسن منه قتل الظالم على وجه المعارضة والمدافعة طلبا للتخلص من غير أن يريد قتله ويقصده، ولعله لذلك نسبه إلى القيل.
وكذا الحال فيما قيل لينصر (3) به القيل: إذا كان حفظ النفس مستلزما للدفع المستلزم لقتل نفس آخر، فكونه حينئذ عقليا في محل المنع، كما إذا أمر حاكم الجور بقتل مؤمن فإنه لا يجوز كما صرح به الفقهاء، لأنه لا تقية في الدماء، مع أنه يستلزم حفظ نفسه، فإن حاكم الجور إذا أمر بقتل مؤمن فإنما لا يجوز قتله لأنه لا يقصد قتل المأمور ولا ضرره. نعم يجب على المأمور أن يدفع الآمر عن نفسه أو يقتله مع الإمكان وأمن الضرر وظن السلامة، ويهرب عنه لو أراد نفسه أو ماله أو حريمه، أو نفس أخيه المؤمن أو ماله أو حريمه.
ثم لما كان هابيل - على ما اعترفوا به - أقوى من قابيل وأشد منه وأبطش، وأراد أن يتحرى ما هو أفضل، كان عليه أن يدفعه عن نفسه من غير أن يقتله، بل بأحد من الأنحاء المذكورة، ولا أقل من أن يحبسه أو يكتفه أو يربطه... إلى غير ذلك، فإنه كان سببا لحياة نفسين وهو أحرى من التسليم المنافي لوجوب حفظها.
وأما الخبر فعلى تقدير ثبوته وصحته، فلعل المراد به النهي عن الإقدام إلى