يظهر منه أن النظرة الأولى إن وقعت فلتة ومن غير قصد وإرادة لذة وقعت مغفورة ولا يؤاخذ بها لكونها خارجة عن تحت الاختيار، فلا يجوز للناظر إعادتها ولا تكرارها لقوله: " والثانية عليك " وفي رواية: " والثالثة فيها الهلاك " (1).
وفي خبر آخر: " النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، من تركها لله عز وجل لا لغيره أعقبه الله إيمانا يجد طعمه " (2).
وفي رواية أخرى: " وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة " (3).
ويفهم من سابقتها أن النظرة الأولى إذا كانت صادرة عن قصد وإرادة لذة وانقضاء شهوة، فهي أيضا محرمة ناشئة من إغراء الشيطان وإغوائه، ولا ريب أن ترك الحرام لله لا لقصد الحياء والرياء والسمعة ونحوها موجب لزيادة الإيمان وكماله بل هو هو.
وعنه (عليه السلام): " النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة " (4).
وفيه إشارة إلى سبب منع النظر إلى وجوه الأجنبيات وتكريرها ولمية تحريمها، وهو أنه يوجب هيجان الشهوة المؤدية إلى ثوران الفتنة وهي الزنا.
وأيضا فإن النظرة تهيج الوساوس، وربما تتعلق بالقلب ويتعذر الوصول فيفضي إلى التعب الشديد، وهو ضرر واجب دفعه إذا كان ممكنا، ولا يمكن دفعه هنا إلا بالكف عن النظر، فيكون واجبا وتركه حراما.
ولا يذهب عليك أن حرمة النظر إلى الامرأة بقصد لذة وانقضاء شهوة أشد، والأمر في مقاسات التعب ومعاناة النصب بالإضافة إليه أوكد، لامتناع الوصول إليه في الشريعة المطهرة بوجه.
وبالجملة: من أطلق ناظره أتعب خاطره، ومن تتابعت لحظاته دامت حسراته، وليس في البدن شئ أقل شكرا من العين فلا تعطوها سؤلها فتشغلكم