موجود غير الواجب الوجود لا يخلو عن ملابسة ما بالقوة والإمكان باعتبار نفسه، فيكون زوجا تركيبيا غير بسيط الحقيقة، لأن الذي له باعتبار ذاته غير الذي له من غيره، وهو حاصل الحقيقة منهما، فإذا تحللت تلك الحقيقة إلى الأجزاء انتهت وتأدت إلى الربوبية، أي: تدل عليها لأنها لإمكانها وافتقارها إلى مؤثر واجب لذاته تدل على وجوده، وهذه جهة لها باعتبار ذاتها وحقيقتها، فما فقد وارتفع من تلك الحقيقة المفتقرة من افتقارها إلى المؤثر والمبقي في بادي النظر وجد بأدنى تأمل في الربوبية، أي: علم أنه كان بسببها لأنها إنما وجبت بغيرها فاستغنت به، وهذه جهة لها باعتبار غيرها، لأنه سد طرق جميع أنحاء عدمها فأوجبها فأوجدها فصارت به غنية لا بذاته، وما خفي: إما مطلقا أو في أول النظر في مقام الربوبية من صفات الرب تعالى وسماته أصيب وأدرك من حيث الظهور والآثار في المرتبة العبودية والافتقاد لكونها مظهرها ومجلاها، فيظهر فيها ظهورا لا ينكرها إلا الأكمه أو من له عين خفاشية.
وبالجملة العبودية تدل على الربوبية دلالة الأثر على المؤثر، والمعلول على العلة، والربوبية تظهر من العبودية ظهور العلة من المعلول، فكل منهما دليل الآخر:
أحدهما بالإن والآخر باللم، مثلا وجود العالم بعد عدمه وتألفه في ذاته يدل على وجود موجود بذاته، ومؤلف يوجدها ويؤلفه، وكذا قدرة القادر وعلم العالم بعد أن لم يكن دليل وجود قادر وعالم بالذات يجعله قادرا وعالما، وهكذا.
وإذا خفي علينا - مثلا - كونه تعالى موجودا أو حيا أو قادرا أو عالما بذاته أو بغيره، يظهر لنا وجوده وحياته وقدرته وعلمه في الموجود والحي والقادر والعالم... وهكذا، وهذا معنى إراءة الآيات والأدلة في الآفاق وفي الأنفس، وكونه تعالى موجودا فيما غاب وما حضر كما أومأ (عليه السلام) إليه إيماء لطيفا.
وعلى ما حمل عليه الآية فمعنى التسويف أن إراءة الآيات الأنفسية والآفاقية موكولة على النظر والاستدلال الواجبين على المكلف كما سبق إليه الايماء، ولا يلزم منه تأخير البيان عن وقت الحاجة كما توهمه بعض المعاصرين.