العوام وأهل البدو والسواد والجند والأكراد بما يعم العلم به من تفاصيل الحروب الدينية والأحكام الشرعية قادح فيما أجمع عليها المسلمون منها وعم العلم به للأكل مخالط متأمل، وهذا ما لا يطلقه أحد من العلماء، لعظيم ما فيه.
وإن كان جهل هؤلاء الحاصل فيهم لتشاغلهم عن مخالطة العلماء وإعراضهم عن سماع النقل والفتيا غير قادح في عموم العلم بها اتفق العلماء عليه وعلم من دينه صلى الله عليه وآله من الشرعيات، لم يقدح جهل العوام وطغام (1) الناس بخبري تبوك والغدير في ثبوتهما وعموم العلم بهما.
ولذلك لا نجد أحدا من علماء القبلة قديما وحديثا ينكرهما ولا يقف في صحتهما، كما لا يشك في شئ من الأحكام المجمع عليها، وإن خالف في المراد بهما.
ولا يقدح في هذا ما حكاه الطبري عن ابن أبي داود السجستاني من إنكار خبر الغدير.
بل ذلك يؤكده، لأنه لا شبهة في عموم العلم بما انقضت (2) الأعصار خالية من منكر له، مع ثبوت الاحتجاج به على أكثر أهلها، ووقوف دعوى إنكاره على واحد لا ثاني له، قد سبقه إجماع أهل الأعصار وتأخر عنه، إذ بهذا تميزت المعلومات العامة من غيرها، ولم يقدح فيها - بعد استقرارها وانقراض العصر بفتيا صحتها واتفاق العلماء على عموم الحجة بها - حدوث مخالف فيها، بل أطرح الكل قوله، لولا ذلك لبطلت الشريعة جملة، إذ لا معلوم منها إلا وقد حدث من يخالف فيه.
على أن المضاف إلى السجستاني من ذلك موقوف على حكاية الطبري،