مع ما بينها من الملاحاة والشنآن، وقد أكذب الطبري في حكايته عنه، وصرح بأنه لم ينكر الخبر، وإنما أنكر أن يكون المسجد بغدير خم متقدما، وصنف كتابا معروفا يعتذر فيه مما قرفه (1) به الطبري ويتبرأ منه.
وما يجري حاله في الثبوت هذا المجرى الذي لا يمكن دعوى مخالف فيه إلا واحد (اجتمع (2)) عليه العلماء بخلافه، ويعتذر هو مما أضيف إليه، ويكذب الحاكي عنه الذاهب إليه مستغن عن إقامة حجة على صحته.
وليس لأحد أن يقول: فإذا كان العلم بخبري تبوك والغدير عاما، فلم فزع أكثر سلفكم إلى إيراد الأسانيد بهما وإثبات طريق النقل لهما؟ وأي حاجة فيما عم العلم به كبدر وحنين إلى ترتيب نقل؟
لأن العلماء من سلفنا وخلفنا - رضي الله عنهم - لم يعولوا في إثبات ذين الخبرين إلا على ما ذكرناه، وإنما نبهوا في الاستدلال على الطريق وصفة التواتر تأكيدا للحجة وتنبيها للمعرض على الطريق التي يعم العلم بتأملها.
وجروا في ذلك مجرى من يسأل بيان العلم بصفة حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل هي قران أو إفراد أو تمتع؟ وأعيان المخلفين عن غزاة تبوك؟
وهل كانت ذات حرب أم لا؟ وبقتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه يوم أحد دون غيره؟ وبقتل عتبة وشيبة والوليد ببدر؟
في فزعه إلى الإشارة إلى كتب أصحاب السيرة وطرق الناقلين لذلك لا يجد مندوحة عنه، إذ هو الطريق الذي منه لحق التفصيل بالجمل في عموم العلم، ولذلك يجد كل من لم يخالط العلماء ويسمع (3) الأخبار ويتأمل الآثار من العوام وأهل السواد والأعراب وأشباههم لا يعلم شيئا من ذلك، ولا يكون التنبيه لهم