في استجار فظاهر، وأما جار فهو مخرج على الجار بمعنى المستجير، كما تقدم. وفي التنزيل العزيز (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله (1)) قال الزجاج: المعنى: إن طلب منك أحد من أهل الحرب أن تجيره من القتل إلى أن يسمع كلام الله فأمنه وعرفه ما يجب عليه أن يعرفه من أمر الله تعالى الذي يتبين به الإسلام ثم أبلغه مأمنه، لئلا يصاب بسوء قبل انتهائه إلى مأمنه.
وأجاره الله من العذاب: أنقذه، ومنه الدعاء: " اللهم أجرني من عذابك ".
وأجاره: أعاذه. قال أبو الهيثم: ومن عاذ بالله، أي استجار به أجاره الله، ومن أجاره الله لم يوصل إليه، وهو سبحانه وتعالى يجير ولا يجار عليه. أي يعيذ، وقال الله تعالى لنبيه: (قل إني لن يجيرني من الله أحد (2)) أي لن يمنعني، ومنه حديث الدعاء: " كما تجير (3) بين البحور "، أي يفصل بينها، ويمنع أحدها من الاختلاط بالآخر والبغي عليه.
وأجار المتاع: جعله في الوعاء فمنعه من الضياع.
وأجار الرجل إجارة وجارة، الأخيرة عن كراع: خفره. وفي الحديث: " ويجير عليهم أدناهم ". أي إذا أجار واحد من المسلمين، حر أو عبد، أو امرأة (4)، واحدا أو جماعة من الكفار، وخفرهم وأمنهم، جاز ذلك على جميع المسلمين، لا ينقض عليه جواره وأمانه.
وضربه فجوره: صرعه، ككوره، فتجور، وقال رجل من ربيعة الجوع:
فقلما طارد حتى أغدرا * وسط الغبار خربا مجورا وجوره تجويرا: نسبه إلى الجور في الحكم.
وجور البناء والخباء وغيرهما: صرعه وقلبه. قال عروة بن الورد:
قليل التماس الزاد إلا لنفسه * إذا أضحى كالعريش المجور وضربته ضربة تجور منها، أي سقط.
وتجور الرجل على فراشه: اضطجع.
وتجور البناء: تهدم، والرجل: انصرع.
ومن أمثالهم:
* يوم بيوم الحفض المجور * الحفض، بالحاء المهملة والفاء والضاد المعجمة محركة: الخباء من الشعر، والمجور كمعظم، وهو مثل يضرب عند الشماتة بالنكبة تصيب الرجل، وأصله فيما ذكروا كان الرجل عم قد كبر سنه وكان ابن أخيه لا يزال يدخل بيت عمه، ويطرح متاعه بعضه على بعض، ويقوض عليه بناءه فلما كبر وبلغ مبلغ الرجال أدرك له بنو أخ، فكانوا يفعلون به مثل فعله بعمه، فقال ذلك المثل، أي هذا بما فعلت أنا بعمي، من باب المجازاة. وقد أعاد المصنف المثل في حفض، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
* ومما يستدرك عليك:
وإنه لحسن الجيرة، لحال من الجوار، وضرب منه.
وفي حديث أم زرع: " ملء كسائها وغيظ جارتها "، الجارة: الضرة، من المجاورة بينهما، أي أنها ترى حسنها فتغيظها بذلك، ومنه الحديث: " كنت بين جارتين لي "، أي امرأتين ضرتين. وفي حديث عمر لحفصة: " لا يغرك (5) أن كانت جارتك هي أوسم، وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك "، يعني عائشة.
والجائر: العظيم من الدلاء، وبه فسر السكري قول الأعلم الهذلي يصف رحم امرأة هجاها:
متغضف كالجفر باكره * ورد الجميع بجائر ضخم