نسبت العرب إليها هي جزيرة العرب، على ما في المراصد وغيره، وبالعرب هم أصول القبائل، فلا إشكال، إذ هم لم يخرجوا من الجزيرة، والذي خرج من عمائرهم إنما خرج في العهد القريب وهم قليل، وغالبهم في مواطنهم فيها، وأما الشعوب والقبائل التي تفرعت فيما بعد فهم خارجون عن البحث، وكذلك إن كان المراد بها مكة وساحاتها، فإن طسم وجديس وعمليق وجرهم سكنوا الحرم وهم العرب العاربة، ومنهم تعلم سيدنا إسماعيل عليه السلام اللسان العربي. وعاد وثمود وأميم وعبيل ووبار، وهم العرب العاربة، نزلوا الأحقاف وما جاورها وهي تهامة على قول من فسر عربة بتهامة، فهؤلاء أصول قبائل العرب العاربة التي أخذت المستعربة منهم اللسان قد نزلوا ساحات الحرم، ومنهم تفرعت القبائل فيما بعد وتشتتت، فبقي هذا اللفظ علما عليهم لسكنى آبائهم وجدودهم فيها وإن لم يسكنوا هم، وقد أسلفنا كلام الأزهري وغيره وهو يؤيد ما ذكرناه. ثم إن قول المصنف: وغيره: أقامت بنو إسماعيل، وعلى القولين تخصيصهما دون القبائل إنما هو لشرفهما ورياستهما على سائر العرب فصار الغير كالتبع لهما، فلا يقال: كان الظاهر أن تسمى بها قريش فقط، وبدل لما قلنا أيضا ما قدمنا أنه يقال رجل عربي إذا كان نسبه في العرب ثابتا وإن لم يكن فصيحا، ومن نزل بلاد الريف واستوطن المدن والقرى العربية وغيرهما مما ينتمي إلى العرب فهم عرب وإن لم يكونوا فصحاء، وكذا ما قدمنا أن كل من سكن بلاد العرب وجزيرتها ونطق بلسان أهلها فهم عرب، يمنهم ومعدهم. عربة التي نسبت إليها العرب اختلف فيها، فقال إسحاق بن الفرج: هي باحة العرب أي ساحتهم وباحة دار أبي الفصاحة سيدنا إسماعيل عليه السلام والمراد بذلك مكة وساحاتها. وقال بعضهم: هي تهامة وقد تقدمت الإشارة إليه. وفي مراصد الاطلاع: إنها اسم جزيرة العرب واضطر الشاعر إلى تسكين رائها أي من عربة فقال مشيرا إلى أن عربة هي مكة وساحاتها:
وعربة أرض ما يحل حرامها (1) * من الناس إلا اللوذعي الحلاحل يعني الشاعر باللوذعي الحلاحل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أحلت له مكة ساعة من نهار ثم هي حرام إلى يوم القيامة.
والعربات محركة: بلاد العرب، كما في المراصد، ووجدت له شاهدا في لسان العرب:
ورجت (2) باحة العربات رجا * ترقرق في مناكبها الدماء ويدل له قول الأزهري ما نصه: والأقرب عند أنهم سموا عربا باسم بلدهم العربات، وقد أغفله المصنف. والعربات أيضا: طريق في جبل بطريق مصر نقله الصاغاني.
والعربات: سفن رواكد كانت في دجلة (3) النهر المعروف، واحدتها عربة.
وقولهم: ما بها أي بالدار عريب ومعرب أي أحد، الذكر والأنثى فيه سواء، ولا يقال في غير النفي.
والعربان كعثمان والعربون بضمهما والعربون، محركة وقد تبدل عينهن همزة على الأصل المنقول منه، نقله الفهري في شرح الفصيح عن أبي عبيد في الغريب ونقلوه أيضا عن ابن خالويه، وقد تحذف الهمزة فيقال فيه الربون كأنه من ربن، حكاه ابن خالويه وأورده المصنف هناك، فهي سبع لغات، ونقل شيخنا عن أبي حيان لغة ثامنة وهي العربون، بفتح فسكون فضم. قلت: وهي لغة عامية، وقد صرح أبو جعفر اللبلي بمنعها في شرح الفصيح مما نقله عن خط ابن هشام، وصرح الكمال الدميري في شرح المنهاج بأنه لفظ معرب ليس بعربي، ونقله عن الأصمعي القاضي عياض والفيومي وغيرهما، وأورده الخفاجي في شفاء الغليل فيما في لغة العرب من الدخيل، وحكى ابن عديس لغة تاسعة قال: نقلت من خط ابن السيد، قال: أهل الحجاز يقولون: أخذ مني عربان بضمتين وتشديد الموحدة، نقله بعض شراح الفصيح، قاله شيخنا، ونقل أيضا عن بعض شروح الفصيح أنه مشتق من التعريب الذي هو البيان؛ لأنه بيان للبيع.