وأما نصب الوصف المنكر، فعلى الحال عند الجميع، والعامل فيه أحد الشيئين المذكورين في المصدر الواقع حالا عند بني تميم، وأقول: كون المصدر المنصوب مفعولا له عند الحجازيين، لا دليل عليه، ولو كان كذا لجاز: أما للسمن فسمين، وأما للعلم فعالم، والأولى أن يقال: المنصوب عند بني تميم والحجازيين في الصفة على أنه حال مما بعد الفاء، وفي المصدر المعرف، على أنه مفعول مطلق لما بعد الفاء، وأما المرفوع فعلى أنه مبتدأ، ما بعد الفاء خبره، بلا تقدير ضمير، كل ذلك عند كلا الفريقين، وكشف القناع عنه أن نقول:
إن مثل هذا الكلام إنما يقال إذا ادعى شخص ثبوت الأشياء المذكورة أو يدعى له ذلك، فيسلم السامع بعض تلك الدعاوي أو يدفع، كما تقول، مثلا: أنا سمين وأنا عالم، فيقول السامع: أما سمنا فلست بسمين، وأما علما فعالم، فهذا حال، لأن المعنى:
أما إذا كنت سمينا، وادعيت ذلك فلست بسمين، وأما إذا كنت عالما، أي أبديت من نفسك العلم وتزينت به وادعيت ذلك، فأنت في الحقيقة كذلك، كما يقال: إذا كنت مؤمنا فكن مؤمنا، وإذا كنت عالما فأنا عالم مثلك، وإذا كنت في أمر فكن فيه، ومنه قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا آمنوا) 1، على أحسن التأويلات 2، أي: يا أيها المدعون للأيمان: آمنوا حقيقة، فالحال، على هذا، مما بعد الفاء، والتقدير: إن يكن شئ فأنت عالم عالما أي: أنت عالم حقيقة، حين كنت عالما صورة، وفي زي العلماء، والمصدر المنكر بمعنى الوصف، حال أيضا، على هذا الوجه، أو نجعله مفعولا مطلقا، على أن معنى، أما سمنا فسمين: إن يكن شئ فهو سمين سمنا، وكذا في نحو: أما سمنا فلا سمن، أي: أما يكن شئ فلا سمن فيه سمنا، ..