استعمالها، بخلاف معنى التفصيل فإنها قد تتجرد عنه، وقد التزم بعضهم هذا المعنى فيها، أيضا في جميع مواقعها، وحمل عليه قوله تعالى: (والراسخون في العلم) بعد قوله:
(فأما الذين في قلوبهم زيغ) 1، على معنى: (وأما الراسخون)، وهذا، وإن كان محتملا في هذا المقام 2، إلا أن جواز السكوت على مثل قولك:
أما زيد فقائم، يدفع دعوى لزوم التفصيل فيها، وأما بيان معنى الشرط فيها، فبأن نقول: هي حرف بمعنى (إن)، وجب حذف شرطها لكثرة استعمالها في الكلام، ولكونها في الأصل موضوعة للتفصيل وهو مقتض تكررها، كما ذكرنا من قولنا: أما زيد ففقيه، وأما عمرو فمتكلم...
فيؤدي إلى الاستثقال، لهذا أيضا، وأيضا، حذف ذلك وجوبا لغرض معنوي، وذلك أنهم أرادوا أن يقوم ما هو الملزوم حقيقة في قصد المتكلم مقام الشرط الذي يكون هو الملزوم في جميع الكلام، تفسير ذلك: أن أصل: أما زيد فقائم: أما يكن من شئ فزيد قائم يعني:
إن يكن، أي ان يقع في الدنيا شئ، يقع قيام زيد، فهذا جزم بوقوع قيامه وقطع به، لأنه جعل وقوع قيامه وحصوله لازما لوقوع شئ في الدنيا، وما دامت الدنيا باقية، فلا بد من حصول شئ فيها، ثم، لما كان الغرض الكلي من هذه الملازمة المذكورة بين الشرط والجزاء:
لزوم القيام لزيد، حذف الملزوم الذي هو الشرط، أي: (يكن من شئ) ، وأقيم ملزوم القيام وهو زيد، مقام ذلك الملزوم، وبقيت الفاء بين المبتدأ والخبر، لأن فاء السببية:
ما بعدها لازم لما قبلها، فحصل غرضك الكلي، وهو لزوم القيام لزيد، فلهذا الغرض وتحصيله جاز وقوع الفاء في غير موقعها، فقد تبين أنه حصل لهم من حذف الشرط وإقامة جزء الجزاء موقعه، شيئان مقصودان مهمان: أحدهما تخفيف الكلام بحذف الشرط الكثير الاستعمال، والثاني قيام ما هو ،