ومذهب غيره، أن (إن) مع الشرط مقدرة بعدها، وهي دالة على ذلك المقدر، ولعل ذلك لاستنكارهم إسناد الجزم إلى الفعل، وليس ما استبعدوه ببعيد، لأنه إذا جاز أن يجزم الاسم المتضمن معنى (ان) فعلين، فما المانع من جزم الفعل المتضمن معناها فعلا واحدا، ثم اعلم أنه يجوز جزم الجواب بعد الأمر المدلول عليه بالخبر، نحو:
حسبك، أو كفيك، أو شرعك: ينم الناس، و: اتى الله امرؤ وفعل خيرا، يثب عليه، وكذا أسماء الأفعال نحو: صه، ونزال وتراك، والأمر المقدر، نحو: الأسد الأسد تنج، وإنما لم ينتصب الفعل في جواب هذه الأشياء التي فيها معنى الأمر بعد الفاء، بل وجب، للنصب، صريح الأمر أو النهي، عند غير الكسائي، بخلاف الجواب المجزوم، فإنه لم يشترط التصريح قبله بالأمر والنهي اتفاقا، لأن فاء السببية قد يرتفع ما بعدها مع بقائها على معنى السببية كما في قوله تعالى: (ولا يؤذن لهم فيعتذرون) 1، و:
... لم تدر ما جزع عليك فتجزع 2 - 650 ومع الرفع تضعف دلالة الفاء على السببية، لأن الرفع محتمل، والنصب نص فيها، وقد تقدم أن الأمر والنهي وسائر الأشياء الثمانية، مشابهة للشرط في عدم ثبوت مدلولها، فهي، إذن، مقوية لمعنى السببية في الفاء، فأريد أن يكون قبل الفاء صريح الأمر العريق في الأمرية، حتى إن ضعفت دلالة السببية في الفاء بأن يرتفع الفعل بعدها، كان صريح الأمر قبلها أشد تقوية لسببيتها مما هو محمول على الأمر، من اسم الفعل وغيره، وأما الجزم فهو نص في السببية، ولا يضعف معناها معه فلم يحتج إلى صريح الأمر ، بل يكفي معناه، وقيل في قوله تعالى: (هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم) 3 إلى قوله (يغفر لكم): إن قوله (يغفر لكم) جواب لقوله: (تؤمنون) لأنه بمعنى (آمنوا )، وليس ،