في كلامهم كالحكاية عن تلك الأصوات، وثانيها: أصوات صادرة عن فم الإنسان غير موضوعة وضعا، بل دالة طبعا على معان في أنفسهم، كأف، وتف، فان المتكره لشئ يخرج من صدره صوتا شبيها بلفظ (أف) ومن يبزق على شئ مستكره يصدر منه صوت شبيه بلفظ (تف)، وكذلك (آه) للمتوجع أو المتعجب، فهذه وشبهها أصوات صادرة منهم طبعا، كأح، لذي السعال، إلا أنهم لما ضمنوها كلامهم لاحتياجهم إليها، نسقوها نسق كلامهم وحركوها بتحريكه، وجعلوها لغات مختلفة، كما مر من لغات: أف، وأوه، وثالثها: أصوات صوت بها للحيوانات عند طلب شئ منها: إما المجئ كألفاظ الدعاء، نحو: جوت، وقوس، ونحوهما، وإما الذهاب، كهلا، وهج، ونحوهما، وإما أمر آخر، كسأ، للشراب، وهدع للتسكين، 1 وهذه الألفاظ ليست مما تخاطب به هذه الحيوانات العجم حتى يقال: إنها أوامر أو نواه، كما ذهب إليه بعضهم، لأنها لا تصلح لكونها مخاطبة لعدم فهمها للكلام، كما قال الله تعالى: (كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) 2، بل كان أصلها أن الشخص كان يقصد انقياد بعض الحيوانات لشئ من هذه الأفعال، يصوت لها إما بصوت غير مركب من الحروف، كالصفير للدابة عند إيرادها الماء، وغير ذلك، وإما بصوت معين مركب من حروف معينة، لا معنى تحته، ثم يحرضه، مقارنا لذلك التصويت، على ذلك الأمر إما بضربه وتأديبه، وإما بإيناسه وإطعامه، فكان الحيوان يمتثل المراد منه، إما رهبة من الضرب، أو رغبة في ذلك البر، وكان يتكرر مقارنة ذلك التصويت لذلك الضرب أو البر، إلى أن يكتفي الطالب بذلك الصوت عن الضرب أو البر، لأنه كان يتصور الحيوان من ذلك الصوت ما يصحبه من الضرب أو ضده، فيمتثل عقيب الصوت عادة
(١١٨)