عليهم، وأنزل عليه كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، بما أحل وحرم، ووعد وأوعد، وحذر وأنذر، وأمر به ونهى عنه، لتكون له الحجة البالغة على خلقه ﴿ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم﴾ (1).
فبلغ عن الله رسالته، ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ثم بالجهاد والغلظة، حتى قبضه الله إليه، واختار له ما عنده (صلى الله عليه وآله وسلم).
فلما انقضت النبوة، وختم الله بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الوحي والرسالة، جعل قوام الدين ونظام أمر المسلمين بالخلافة، وإتمامها وعزها، والقيام بحق الله فيها بالطاعة، التي بها تقام فرائض الله وحدوده، وشرائع الإسلام وسننه، ويجاهد بها عدوه.
فعلى خلفاء الله طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده، وعلى المسلمين طاعة خلفائهم، ومعاونتهم على إقامة حق الله وعدله، وأمن السبيل، وحقن الدماء، وصلاح ذات البين، وجمع الألفة، وفي خلاف ذلك اضطراب حبل المسلمين، واختلالهم واختلاف ملتهم، وقهر دينهم، واستعلاء عدوهم، وتفرق الكلمة، وخسران الدنيا والآخرة.
فحق على من استخلفه الله في أرضه، وائتمنه على خلقه، أن يجهد لله نفسه، ويؤثر ما فيه رضى الله وطاعته، ويعتد لما الله مواقفه عليه ومسائله عنه، ويحكم بالحق، ويعمل بالعدل فيما حمله الله وقلده، فإن الله عز وجل يقول لنبيه داود (عليه السلام):
(يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك