والشهور والأعوام والملائكة الكرام؟! وكان إذا ألح علي بالوعظ زجرته وانتهرته ووثبت عليه وضربته، فعمدت يوما إلى شيء من الورق (1) وكانت في الخبأ، فذهبت لآخذها وأصرفها فيما كنت عليه، فما نعني عن أخذها فأوجعته ضربا ولويت يده وأخذتها ومضيت، فأومأ بيده إلى ركبتيه يروم النهوض من مكانه ذلك، فلم يطق يحركها من شدة الوجع والألم فأنشأ يقول:
جرت رحم بيني وبين منازل * سواء كما يستنزل القطر طالبه وربيت حتى صار جلدا شمردلا * إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه وقد كنت أوتيه من الزاد في الصبى * إذا جاع منه صفوه وأطايبه فلما استوى في عنفوان شبابه * وأصبح كالرمح الرديني خاطبه تهضمني مالي كذا ولوى يدي * لوى يده الله الذي هو غالبه ثم حلف بالله ليقدمن إلى بيت الله الحرام فيستعدي الله علي.
قال: فصام أسابيع وصلى ركعات ودعا، وخرج متوجها على عيرانة (2) يقطع بالسير عرض الفلاة ويطوي الأودية ويعلو الجبال حتى قدم مكة يوم الحج الأكبر، فنزل عن راحلته وأقبل إلى بيت الله الحرام، فسعى وطاف به وتعلق بأستاره وابتهل وأنشأ يقول:
يا من إليه أتى الحجاج بالجهد * فوق المهاوي من أقصى غاية البعد إني أتيتك يا من لا يخيب من * يدعوه مبتهلا بالواحد الصمد هذا منازل لا يرتاع من عققي * فخذ بحقي يا جبار من ولدي حتى تشل بعون منك جانبه * يا من تقدس لم يولد ولم يلد