6268 - الكامل في التاريخ - في ذكر البيعة ليزيد بولاية العهد -: كان ابتداء ذلك وأوله من المغيرة بن شعبة؛ فإن معاوية أراد أن يعزله عن الكوفة ويستعمل عوضه سعيد بن العاص، فبلغه ذلك فقال: الرأي أن أشخص إلى معاوية فأستعفيه؛ ليظهر للناس كراهتي للولاية. فسار إلى معاوية، وقال لأصحابه حين وصل إليه: إن لم أكسبكم الآن ولاية وإمارة لا أفعل ذلك أبدا!
ومضى حتى دخل على يزيد، وقال له: إنه قد ذهب أعيان أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وآله وكبراء قريش وذوو أسنانهم، وإنما بقي أبناؤهم، وأنت من أفضلهم وأحسنهم رأيا، وأعلمهم بالسنة والسياسة، ولا أدري ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة!
قال: أو ترى ذلك يتم؟ قال: نعم.
فدخل يزيد على أبيه، وأخبره بما قال المغيرة، فأحضر المغيرة وقال له: ما يقول يزيد! فقال: يا أمير المؤمنين، قد رأيت ما كان من سفك الدماء، والاختلاف بعد عثمان، وفي يزيد منك خلف، فاعقد له، فإن حدث بك حادث كان كهفا للناس، وخلفا منك، ولا تسفك دماء، ولا تكون فتنة. قال: ومن لي بهذا؟ قال: أكفيك أهل الكوفة، ويكفيك زياد أهل البصرة، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك.
قال: فارجع إلى عملك، وتحدث مع من تثق إليه في ذلك، وترى ونرى.
فودعه ورجع إلى أصحابه. فقالوا: مه؟ قال: لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أمة محمد، وفتقت عليهم فتقا لا يرتق أبدا، وتمثل:
بمثلي شاهدي النجوى وغالي * بي الأعداء والخصم الغضابا