وقد بلغ من حب عمرو للإمارة أنه حين أراد أن يعقد أبو بكر الألوية لحرب الشام كلم عمرو بن العاص عمر بن الخطاب أن يخاطب أبا بكر في تأميره على جيوش المسلمين بدل أبي عبيدة، وقد قدمنا أن عمرا كان أمير على أبي بكر وعمر وأبي عبيد وغيرهم أيام النبي صلى الله عليه وسلم.
قال رفيق بك العظم في كتاب (أشهر مشاهير الإسلام).
ومن تصفح تاريخ حياة عمرو بن العاص ووقف على أعماله - سواء في الفتح والإمارة - أو في غمار الفتنة علم أنه رجل فذ قل أن تنجب مثله الأمهات - لولا طمع فيه، ربما أوخذ عليه أحيانا.
على أنه لم يكن في دنيات الأمور، بل في أبعدها غاية، وأعصاها على غيره منالا. وأي قائد غير عمرو بن العاص يقدم على دخول مصر، ويرغب في تدويخ أرض الفراعنة بجيش يقل عن أربعة آلاف مقاتل يريد أن يقهر به أمة يربو عددها عن عشرة ملايين! وكان في البلاد من حامية الروم وحدها أضعاف ما معه من المقاتلة يحمون ذمارها ويذبون عنها. أه (ج 2 ص 574).
والذي نراه أيضا أن عمرا إنما رغب في فتح مصر لأنه وقف بنفسه على أحوالها عند قومه إليها في الجاهلية، وعرف مقدار ثروتها وخيراتها وأيقن أن دولة الروم قد دالت، وقد تولى جنودهم الضعف واستولى على نفوسهم اليأس، وأن قبط مصر قد ملوا حكم الروم لظلمهم وجورهم، كل هذه الأسباب لم تخف عمرا، بل حببت إليه فتح مصر، أضف إلى ذلك ما جبل عليه من الشجاعة والإقدام، ودرايته بأساليب الحرب وحبه للقتال، وعلمه أنه سوف ينال الجزاء الحسن من الله عز وجل، لانفراده بهذه المأثرة العالية، مأثرة فتح مصر.