لأن عمرو بن العاص لم يسر إلى مصر إلى بعد فتح قيسارية وهزيمة قسطنطين، وكان ذلك بعد فتح بيت المقدس من سنة.
وقد أخرج ابن عبد الحكم والمقريزي أن عمرو بن العاص كان بفلسطين، فتقدم عمرو وأصحابه إلى مصر بغير إذن، فلما فقده أمراء الأجناد، واستنكروا الذي فعل، ورأوا أن قد غرر رفعوا ذلك إلى عمر بن الخطاب. ثم أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دخل على عمر بن الخطاب فقال عمر: كتبت إلى عمرو بن العاص يسير إلى مصر من الشام فقال عثمان: يا أمير المؤمنين إن عمرا لمجروء، وفيه إقدام وحب للإمارة.
فأخشى أن نخرج من غير ثقة ولا جماعة، فيعرض المسلمين للهلكة رجاء فرصة لا يدري تكون أم لا. فندم عمر بن الخطاب على كتابه إلى عمرو إشفاقا مما قال عثمان. فكتب إليه: إن أدركك كتابي قبل أن تدخل مصر فارجع إلى موضعك، وإن كنت دخلت فأمض لوقتك. أ ه (1).
ولا ريب أن مسير عمرو بن العاص كان بأذن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ونحن نؤيد الرواية القائلة بأن المسير كان عند أمر أمير المؤمنين. ونرى أن عمر بن الخطاب أذن لعمرو بن العاص بالمسير لفتح مصر. فلما علم عمر بمسير عمرو ندم بعد أن أبان له عثمان حرج مركز عمرو لقلة من معه، فيعرض المسلمين للهلكة، وكان عمر أحرص الناس على حياة المسلمين كما هو معروف.
لم يكن عمرو بن العاض من البساطة والبله بالمكان الذي يدفعه إلى تخطى أمر الخليفة والافتيات عليه، فيركب المركب الوعر باقتطاع فريق من جند المسلمين بلا عهد من الخليفة، يزج بهم في بلاد مترامية الأطراف، ويهجم بهم على بلاد مصر - وما كان جند المسلمين الذي يطيع أميرا لم يؤيده الخليفة، ولا بالذي يتوجه إلى بلاد بغير أمر من