الرئيس الأعظم - ولو فعل عمرو ذلك لوجد من عمر سلطانا يحسن تأديبه ويرده إلى الطاعة والجماعة. ولم يرد في أي تاريخ عبارة أو إشارة إلى غضب عمر عليه في افتيات كان منه، أدرك الكتاب عمرا وهو برفع، إن فتخوف إن هو أخذ الكتاب وفتحه أن نجد فيه الانصراف، فلم يأخذ الكتاب من الرسول، ودافعه، وسار حتى نزل قرية فيما بين رفع والعريش، فسأل عنها فقيل: إنها من أرض مصر، فدعا بالكتاب فقرأه على المسلمين. فقال عمرو لمن معه:
ألستم تعلمون أن هذه القرية من مصر؟ قالوا: بلى. قال: فإن أمير المؤمنين عهد إلى وأمرني أن لحقني كتابه ولم أدخل أرض مصر أن أرجع، ولم يلحقني كتابه حتى دخلنا أرض مصر: فسيروا وامضوا على بركة الله وعونه (1).
والذي نراه أن عمر بن الخطاب لم يكشف لرجال شوراه نيته في فتح مصر إلا بعد مسير عمرو، فلما علم عثمان بذلك حذر عمر سوء عاقبة مسير عمرو بجيشه القليل، فكتب إليه عمر كتابه الآنف الذكر ووعده بإمداده إن كان قد دخل أرض مصر. وكان عمرو يوجس خيفة من أن يكون الكتاب يصرفه عن وجهه، فدافع الرسول حتى يكون بأرض مصر ويوجد له العذر إذا مضى لطلبته.
والذي يثير العجب أنه كيف جرأ عمرو بن العاص على المسير إلى أرض مصر بجيش لا يزيد عن أربعة آلاف مقاتل يريد أن يهزم بهم جند الروم؟ سؤال يسهل الجواب عليه إذا علم الإنسان أن عمرو بن العاص كان محبا للإمارة، ذا نفس عالية لا ترضى إلا الجليل من الأعمال مهما قام في سبيلها من العقبات - يدلك على ذلك ما قاله عثمان رضي الله عنه (إن عمرا لمجروء وفيه إقدام وحب للإمارة).